
لجان الإصلاح والسلم الأهلي في محافظة سلفيت ، صُنّاع السلام الأهلي وحُماة النسيج الاجتماعي ، بقلم: د. عمر السلخي
منظومة وطنية أصيلة لحماية المجتمع
تُعتبر لجنة الإصلاح المركزية في محافظة سلفيت، ومعها لجان السلم الأهلي في بلدات وقرى المحافظة، من أبرز النماذج الفلسطينية التي تجسّد قيم التلاحم الوطني والاجتماعي في الميدان، فبين الجغرافيا الممزقة بفعل الاستيطان، والضغوط الاقتصادية والمعيشية، والنزاعات اليومية التي قد تهدد الاستقرار المحلي، تقف هذه اللجان لتعيد التوازن الاجتماعي بالحكمة والصلح والإيمان بأن “الصلح خير”.
تاريخ من العطاء والعمل التطوعي
ما يميز هذه اللجان أنها تعمل دون مقابل مادي، فكل من فيها من وجهاء وأكاديميين ورجال دين وضباط متقاعدين وأعضاء بلديات، يمارس دوره الإصلاحي لوجه الله تعالى، إيمانًا برسالته الإنسانية والوطنية في خدمة المواطنين، إنها لجان تعمل بصمتٍ وصدقٍ، بعيدًا عن الأضواء، لكنها تترك أثرًا بالغًا في نفوس الناس، وتمنحهم الأمل بأن العدالة يمكن أن تتحقق بالحوار والنية الصافية، لا بالخصومة والانتقام.
العدالة الاجتماعية خارج أروقة المحاكم
تُسهم لجان الإصلاح في تخفيف الضغط عن المحاكم الفلسطينية من خلال معالجة القضايا الاجتماعية والجنائية والمدنية بطرق ودية وسريعة، تُنهي الخلاف دون أن تُثقل كاهل الأطراف بتكاليف المحامين وتعقيدات الإجراءات القضائية، وفي الوقت ذاته، تضمن هذه الحلول بقاء الروابط الاجتماعية متماسكة وعدم انتقال الخصومة إلى أجيال لاحقة، لقد أثبتت التجربة في محافظة سلفيت أن الحل الأهلي في كثير من الأحيان يتسم بالسرعة والعدالة والانصاف، خصوصًا في قضايا الجيرة والميراث والنزاعات المالية والعائلية،
بل إنّ معظم ملفات الدم في المحافظة قد أُغلقت بفضل جهود لجان الإصلاح، بعد مساعٍ مضنية وصبورة شارك فيها رجالٌ أفنوا أعمارهم في خدمة الناس، وأعادوا اللحمة إلى عائلات مزّقتها الحوادث والآلام.
شبكة من الحكماء والوجهاء عبر البلدات
في محافظة سلفيت، تمتد شبكة متكاملة من لجان الإصلاح المحلية في كل بلدة وقرية تساندها المؤسسة الرسمية من خلال المحافظة والامن وتنظيم حركة فتح، كل لجنة محلية تضم وجهاء ومفاصل يمثلون مرجعية أخلاقية ومجتمعية تحظى بثقة الناس، وتعمل بتنسيق كامل مع اللجنة المركزية للإصلاح التي تعمل تحت مظلة المحافظة ودائرة السلم الأهلي، هذا التنسيق المتبادل بين المركزية والمحلية والمؤسسة الرسمية والأمنية خلق نظامًا إصلاحيًا متماسكًا يضمن وحدة الموقف، وعدالة المعالجة، وسرعة الاستجابة.
اللجنة المركزية ودورها التنسيقي مع المحافظ
تتمتع لجنة الإصلاح المركزية في محافظة سلفيت بصيغة عمل تنسيقية مباشرة مع المحافظ، حيث تُعد ذراعًا مجتمعية داعمة لجهود المحافظة في تعزيز السلم الأهلي، وحماية الاستقرار الداخلي، ومنع تفاقم النزاعات قبل أن تتحول إلى قضايا جنائية أو صراعات عائلية، ويُقدّر المحافظ الدور الكبير الذي تقوم به اللجنة في احتواء الأزمات الاجتماعية قبل أن تصل إلى الجهات الأمنية أو القضائية، وهو ما يجعلها شريكًا فعّالًا في منظومة الحكم المحلي، وركيزة أساسية من ركائز الأمن المجتمعي، وتُعقد اجتماعات دورية بين اللجنة والمحافظ لبحث القضايا الساخنة، ومتابعة ملفات الصلح، وتنسيق الجهود مع الأجهزة الرسمية، ما يُجسد نموذجًا عمليًا في التكامل بين القيادة الرسمية والقيادات المجتمعية.
الإصلاح كدرع وطني في وجه الاحتلال
يتجاوز دور لجان الإصلاح الطابع الاجتماعي، ليصبح دورًا وطنيًا مقاومًا في وجه مشاريع التفتيت التي يسعى الاحتلال إلى فرضها، فكل صلح يتم في بيت فلسطيني هو إفشال لمحاولات الاحتلال ضرب النسيج الاجتماعي، وكل مصافحة بعد خصومة هي تثبيت لروح الصمود والوحدة. من هنا، فإن لجان الإصلاح تُعتبر من أدوات الصمود المجتمعي في مواجهة الاستيطان والاقتلاع، فهي تُبقي المجتمع متماسكًا ومؤمنًا بقدرة أبنائه على إدارة شؤونهم بأخلاقهم وقيمهم لا بعنف الآخرين.
نحو مأسسة وتطوير مستدام
تسعى اللجنة المركزية للإصلاح في سلفيت إلى تطوير عملها من خلال:
• تنظيم دورات تدريبية في الوساطة وإدارة النزاعات لأعضاء اللجان المحلية.
• استكمال تشكيل اللجان المحلية في كافة المواقع في المحافظة.
• إشراك الشباب والنساء في ثقافة الإصلاح المجتمعي لتعزيز الشمولية.
• تدريب لجان متخصصة في التحكيم في القطاعات المختلفة مثل الخلافات المالية او العقارية والأراضي.
إن هذا التطوير يهدف إلى تحويل الإصلاح من جهد تطوعي فردي إلى نظام وطني مؤسسي يرسّخ العدالة المجتمعية ويُكمل منظومة القضاء الرسمي.
في محافظة سلفيت، أثبتت التجربة أن السلم الأهلي لا يُبنى بالقانون وحده، بل بالعقل والحكمة والضمير،
لقد كانت لجان الإصلاح (المركزية والمحلية) درعًا اجتماعيًا وطنيًا حفظت النسيج المجتمعي، ومنعت انفجار الخلافات، وخففت عن كاهل القضاء، وأعادت الثقة للناس بأن العدالة ممكنة حين تكون النية صافية، وإنّ من يسعى إلى الصلح بين الناس يُقيم جسرًا بين الأرض والسماء، ومن يُصلح بين العائلات يُرمم جدار الوطن من الداخل، هؤلاء الرجال من لجان الإصلاح في محافظة سلفيت يستحقون أن يُقال عنهم:
“هم صُنّاع السلام الأهلي، وحُماة النسيج الفلسطيني، وحكماء هذا الزمان.”