
شفا – وصال أبو عليا ، بينما يتجه العالم لمتابعة تنفيذ اتفاق وقف الحرب على قطاع غزة، تتكشف ملامح مرحلة جديدة من التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية، حيث يسعى الاحتلال إلى إحكام قبضته على حياة الفلسطينيين اليومية، عبر سياسات أمنية واقتصادية تقيد الحركة وتخنق سبل العيش، في ظل انسحاب قوات كبيرة من غزة وتوجيه الجهد العسكري نحو الضفة.
تفرّغ الاحتلال للضفة بعد الحرب
قال مدير البحث الميداني في منظمة “بتسيلم” الحقوقية كريم جبران، إن الحديث عن وقف الحرب في غزة لا يعني نهاية العدوان الإسرائيلي، مشيراً إلى أن الضفة الغربية تعيش واقعاً يومياً من العنف الممنهج والتضييق المستمر.
وأوضح جبران أن جيش الاحتلال “يتعامل مع الضفة كمنطقة عمليات مفتوحة”، وأن الحياة اليومية للفلسطينيين تتعرض للشلل بفعل انتشار الحواجز والبوابات العسكرية، ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في موسم الزيتون.
وأضاف: “في كثير من المناطق يمنع المواطنون من دخول أراضيهم الزراعية، بينما تُصادر أراضي أخرى بدواعٍ أمنية. الاحتلال يعطل حياة الناس ويجعل أبسط تفاصيلها – من التنقل إلى الزراعة – معركة يومية من أجل البقاء”.
وحذر جبران من أن المرحلة المقبلة قد تشهد تصعيداً أكبر مع انسحاب القوات من غزة، قائلاً إن “الاحتلال سيوجه مزيداً من طاقاته للسيطرة الميدانية في الضفة الغربية تحت ذرائع أمنية مختلفة”.
الضم المؤجّل واستمرار السيطرة الميدانية
قال الكاتب والمحلل السياسي عمر الغول إن الحرب على الضفة “لم تتوقف أصلاً”، وإن حكومة الاحتلال ستواصل فرض سيطرتها عبر أدوات جديدة بعد وقف العدوان على غزة.
وأضاف أن الاحتلال “يعيد إنتاج منظومة السيطرة” عبر الحواجز، الاعتقالات اليومية، مصادرة الأموال، وتقييد الحركة، ما يجعل حياة الفلسطينيين في الضفة “تحت إدارة عسكرية فعلية حتى في المناطق المصنفة (أ)”.
وقال الغول: “سيركز الاحتلال في المرحلة المقبلة على تشديد قبضته الأمنية، وزيادة أعداد الحواجز والبوابات التي تحول الضفة إلى جزر معزولة، إلى جانب مداهمات مستمرة واعتقالات واسعة قد تطال قيادات وناشطين”.
ولفت إلى أن هذه السياسة تهدف إلى خنق الحياة المدنية الفلسطينية، والحد من قدرة السلطة الوطنية على إدارة شؤون المواطنين، مضيفاً أن “الاحتلال يسعى إلى إضعاف مؤسسات الدولة الفلسطينية، وفرض واقع أمني دائم يجعل الفلسطينيين رهائن لإجراءاته اليومية”.
تغييرات في تموضع الجيش ومخاوف ميدانية
المحلل المختص في الشأن الإسرائيلي فيصل الجبيلي، أشار إلى أن جيش الاحتلال سيعيد نشر قواته بعد وقف الحرب على غزة، بحيث تتحول وحدات كبيرة إلى الضفة الغربية للسيطرة على الأوضاع الميدانية.
وأوضح أن الجيش سيستبدل قوات الاحتياط بجنود الخدمة الإلزامية، وأن مهامهم ستتركز على الحواجز والمعابر والدوريات، مضيفاً أن الاحتلال يبرر هذه الإجراءات بذريعة منع تهريب السلاح وتسلل العمال للداخل المحتل، وملاحقة ما يصفها بالمنظمات غير القانونية.
وقال الجبيلي: “هذه الذرائع تُستخدم لتبرير المزيد من التضييق على حياة المواطنين. فالحواجز تتضاعف، والمداهمات تتكرر، والاعتقالات اليومية باتت جزءاً من روتين الاحتلال الأمني الذي يشل حركة الفلسطينيين في المدن والقرى والمخيمات”.
وأشار إلى أن التوتر الميداني سيبقى مرتفعاً رغم انتهاء الحرب في غزة، لأن الاحتلال “يريد ضمان الهدوء في الضفة من خلال السيطرة الكاملة على تفاصيل حياة السكان”، متوقعاً أن تشهد المرحلة المقبلة “مزيداً من القيود على الحركة، وملاحقات مكثفة تحت عنوان الأمن”.
يرى محللون أن انتهاء الحرب في غزة لا يعني انتهاء معاناة الفلسطينيين، بل انتقالها إلى الضفة الغربية في شكل جديد من التحكم والسيطرة اليومية التي تجعل حياة السكان مرهونة لإجراءات الاحتلال.
ومع انسحاب قواته من غزة، يبدو أن الاحتلال يعيد تموضعه ليحوّل الضفة إلى ميدان حرب صامتة تستهدف الوجود الفلسطيني في تفاصيله اليومية، من المزرعة إلى المدرسة، ومن الحاجز إلى البيت.
ورغم ما يعلنه الاحتلال من مبررات أمنية تحت شعار “مكافحة الإرهاب” أو “منع التسلل والتهريب”، إلا أن الواقع على الأرض يكشف أن هذه السياسات تُستخدم أداة للسيطرة الميدانية وتعميق الخنق اليومي لحياة الفلسطينيين. فبداعي الأمن تُقيّد الحركة، وتُعطل الزراعة، وتُحاصر المدن والقرى بجدران وأسلاك وحواجز تجعل من أبسط تفاصيل المعيشة تحدياً مستمراً، ليبدو أن ما يسميه الاحتلال “حفاظاً على الأمن” ليس سوى استمرارٍ لحربٍ صامتة تُقيّد حياة الفلسطينيين في الضفة وتحولها إلى سجنٍ مفتوح.
