5:33 مساءً / 8 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

شنجن : من بلدة حدودية إلى عاصمة عالمية للابتكار ، بقلم : ريماس الصينية

شنجن: من بلدة حدودية إلى عاصمة عالمية للابتكار ، بقلم: ريماس الصينية

حين يتأمل العالم معجزة الإصلاح والانفتاح في الصين، تبرز مدينة شنتشن بوصفها الفصل الأكثر تمثيلا في هذه الملحمة. فعلى مدى أكثر من أربعة عقود، تحولت من محافظة زراعية حدودية لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثين ألف نسمة إلى مدينة عالمية حديثة يتجاوز عدد سكانها سبعة عشر مليون نسمة، وبلغ حجم اقتصادها مرتبة متقدمة بين مدن العالم الكبرى. إن تتبع مسيرة تطور هذه المدينة لا يعني فقط قراءة رموز النهضة الصينية، بل هو أيضا نظرة نحو نموذج مدينة المستقبل.


سرعة شنتشن: الأساس الذي بنيت عليه المعجزة


في مطلع مرحلة الإصلاح والانفتاح، اختيرت شنتشن لتكون حقل التجارب لسياسات الصين الجديدة، حيث تأسست فيها عام 1980 أول منطقة اقتصادية خاصة في البلاد. ومنذ ذلك الحين بدأت تجربة حضرية غير مسبوقة غيرت وجه الصين الحديثة. في تلك الفترة، كانت البنية التحتية ضعيفة، لكن حماسة التغيير خلقت سرعة إعمار مذهلة، تجلت في مشروع بناء برج التجارة الدولية الذي سجل رقما قياسيا حينها بإنجاز “طابق واحد كل ثلاثة أيام”. ومن هنا ولد مصطلح “سرعة شنتشن”، الذي أصبح رمزا لروح الريادة والجرأة على كسر التقاليد والسعي الدؤوب نحو التقدم.


خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات، كانت المدينة تجذب الطموحين والعاملين من مختلف أنحاء البلاد، وقد آمنوا بشعار “الوقت مال والكفاءة حياة”، ليبنوا معا مدينة جديدة من لا شيء. ولم تكن “سرعة شنتشن” مجرد توسع عمراني، بل كانت تجسيدا لمحاولات جريئة في الابتكار المؤسسي. ففيها تأسس أول بنك أجنبي في الصين، وأول بنك تجاري بنظام الأسهم، وصدرت أول سهم في تاريخ الصين الحديثة. ومن رحم هذه التجارب خرجت عشرات “الأوائل” التي فتحت الطريق أمام الصين نحو اقتصاد السوق الحديث.


محرك الابتكار: أسطورة الشركات العالمية التي نشأت في شنتشن


على هذه الأرض المفعمة بروح الإبداع، ولدت مجموعة من الشركات التي تجاوز تأثيرها حدود الصين. فقصة شركة “هواوي” مثلا تجسد بوضوح مسار المدينة، إذ بدأت كشركة صغيرة لتوريد معدات الاتصالات، ثم تحولت إلى رائدة عالمية في مجال البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأجهزة الذكية. لقد حققت “هواوي” إنجازات غير مسبوقة في تكنولوجيا الجيل الخامس، مما يعكس تحول الشركات الصينية من التبعية إلى القيادة في المنافسة التقنية الدولية، ويجسد مسيرة شنتشن من “التصنيع” إلى “الابتكار الذكي”.


أما “تينسنت”، فهي وجه شنتشن في عصر الإنترنت. انطلقت من تطبيق بسيط للتواصل الفوري لتصبح اليوم مجموعة عملاقة تشمل مجالات التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية، والتكنولوجيا المالية. ويعد مقرها في منطقة نانشان رمزا لازدهار الاقتصاد الرقمي الصيني ومركزا لريادة الأعمال.


ومن شنتشن أيضا انطلقت شركة “دي جي آي”، التي أعادت تعريف سوق الطائرات بدون طيار على مستوى العالم. بفضل تقنياتها الفريدة وتصاميمها المتقدمة، أصبحت تهيمن على حصة كبيرة من السوق العالمية، لتجسد بدقة قدرة شنتشن على تحقيق التميز في المجالات المتخصصة ودمج الابتكار مع الصناعة المتقدمة.


كما تعد شركة “بي واي دي” نموذجا لنجاح شنتشن في مجال التكنولوجيا الخضراء. بدأت بإنتاج البطاريات، ثم تحولت إلى رائد من رواد صناعة السيارات الكهربائية والطاقة النظيفة. إن تحولها هذا يعكس تناغم المدينة مع التوجه العالمي نحو التنمية المستدامة، ويبرز مسؤولية الشركات الشنتشنية في مواجهة التحديات المناخية.


ما يجمع بين هذه الشركات جميعا هو أنها نشأت على أرض تقدر الجرأة والابتكار، وتمكنت من الانتقال من الفكرة إلى السوق، ومن المحلية إلى العالمية. إنها ليست فقط أعمدة الاقتصاد الشنتشني، بل جسور تصل الصين بالعالم من خلال الإبداع والتجديد.


جودة شنتشن: قفزة نحو الابتكار النوعي


في السنوات الأخيرة، أصبح الابتكار المحرك الأساسي لتنمية شنتشن. فقد تجاوزت نسبة الإنفاق على البحث والتطوير 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو معدل يفوق متوسط دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وقد أدى هذا الاستثمار إلى ظاهرة لافتة تتمثل في تسجيل مئات براءات الاختراع يوميا في مجالات تشمل الاتصالات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والطب الحيوي، والمواد الجديدة، والطاقة المتجددة.


وتعد منطقة “يويهاي” في نانشان مثالا مصغرا على ذلك، حيث تضم آلاف الشركات التقنية ويطلق عليها “الشارع الأقوى في الصين”، إذ تجاوز عدد طلبات البراءات السنوية فيها ما تسجله معظم دول العالم. لقد أسست شنتشن نظاما بيئيا فريدا للابتكار، يجمع بين الشركات العملاقة والمؤسسات الناشئة، وبين المختبرات البحثية ومراكز التصنيع المتقدمة. وتحولت منطقة “هوا تشيانغ بي” الشهيرة، التي كانت في الماضي سوقا للإلكترونيات، إلى مركز عالمي لريادة الأعمال في مجال الأجهزة الذكية، حيث تتكامل حلقات التصميم والتجريب والإنتاج لتشكل دورة ابتكارية مغلقة يصعب تكرارها في أي مكان آخر.


فصل جديد: نحو آفاق أوسع على نقطة انطلاق جديدة


على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة، تمضي شنتشن في دفع نموذج نجاحها إلى آفاق أعلى. فقد تجاوزت هذه المدينة منذ زمن دور “المنتج” لتتحول إلى مركز عالمي نابض بالحياة للابتكار والإبداع. إن إنجازها الحقيقي لا يتمثل في النمو الاقتصادي وحده، بل في قدرتها على بناء آلية تنموية قادرة على التحفيز الذاتي والتطور المستمر.


جوهر هذه الآلية هو نظام بيئي متكامل للابتكار، يسمح للأفكار أن تتجذر وتنمو وتثمر. فهي لا تعتمد على ميزة واحدة، بل تحقق توازنا فريدا بين حس السوق، والإبداع البحثي، والقوة التصنيعية، ما أوجد حلقة مترابطة ومتكاملة تمتد من الفكرة إلى المنتج النهائي.


قصة شنتشن تتجاوز حدود مدينة واحدة؛ فهي نموذج حي يظهر للعالم الطاقة الهائلة التي يمكن أن تنطلق حين يلتقي انفتاح السوق بروح الابتكار الجريئة وقاعدة صناعية راسخة. وفي زمن تواجه فيه العولمة والتطور التكنولوجي تحديات متزايدة، تقدم تجربة شنتشن دروسا ملهمة وخبرة ثمينة لكل الدول والمناطق الساعية إلى تحقيق الازدهار والتنمية المستدامة.

شاهد أيضاً

وفد من وجهاء عائلة ابو اسنينه يزورون مقر الاستخبارات العسكرية في الخليل ويجتمعون مع المدير العقيد فؤاد بدره "ابو حسني"

وفد من وجهاء عائلة ابو اسنينه يزورون مقر الاستخبارات العسكرية في الخليل ويجتمعون مع المدير العقيد فؤاد بدره “ابو حسني”

شفا – زار وفد ممثلاً عن وجهاء عائلة ابو اسنينه مقر قيادة جهاز الاستخبارات العسكرية …