12:10 صباحًا / 6 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

صناديق الإقراض المدرسية للمعلمين مبادرة تطبّع الأزمة ولا تحلّها ، بقلم : نسيم قبها

صناديق الإقراض المدرسية للمعلمين مبادرة تطبّع الأزمة ولا تحلّها ، بقلم : نسيم قبها

أنين الصفوف في ظل أزمة مالية مُفتعلة

تحت وطأة أزمة مالية خانقة غير مسبوقة، وآلام معلمين لم يتقاضوا رواتبهم لشهور متتالية، تبرز على السطح مبادرات مجتمعية تحاول (إنقاذ) ما يمكن إنقاذه في المشهد التعليمي الفلسطيني. بينما تتجه الحكومة إلى تقليص أيام الدوام في المؤسسات الرسمية بما فيها المدارس، تظهر فكرة “صناديق الإقراض داخل المدارس” كمحاولة لتخفيف المعاناة عن كاهل المعلمين كما يقال . لكن هذه المبادرة، رغم النوايا الطيبة التي قد تحملها، تطرح أسئلة مصيرية حول تداعيات تحميل المجتمع مسؤوليات الحكومة، وتأثير ذلك على كرامة المعلمين ومستقبل التعليم.

الجسد التربوي النازف: أزمة تتفاقم وحلول ترقيعية

تعيش السلطة الفلسطينية أزمة مالية غير مسبوقة، حيث أن إسرائيل تحتجز أكثر من 10 مليارات شيكل (نحو 3 مليارات دولار) من أموال المقاصة وقد أدى احتجازها إلى عجز الحكومة عن دفع رواتب موظفيها، في ظل فترات شهرية متباعدة لصرف جزء بسيط من راتب لا يكفي لحياة قريبة للكرامة.

في هذا المناخ، أعلنت وزارة التربية والتعليم تأجيل افتتاح العام الدراسي، واقتصار دوام المعلمين في المدارس على ثلاثة أسبوعيًا ، مع تحذير جدي من أن “الأزمة المالية تهدد بانهيار المسيرة التعليمية”، باعتبار أن المعلم بحاجة لراتبه لتجهيز أبنائه للعام الدراسي ولمواصلة عمله.

صناديق الإقراض: قراءة في المبادرة وآليات عملها

في محاولة لمواجهة هذا الانهيار، طرح رجل الأعمال والناشط الاجتماعي عبد الحليم شاور التميمي مبادرة تقوم على إنشاء صناديق إقراض داخل كل مدرسة، يتم تمويلها عبر مساهمات تطوعية من أولياء الأمور الميسورين، وتُدار من خلال مجالس أولياء الأمور بالتعاون مع الهيئة التدريسية.

وتوفر هذه الصناديق قروضًا بلا فوائد تتراوح بين 1000 – 1500 شيكل شهريًا للمعلمين، على أن يتم استردادها فور صرف الرواتب من الجهات الرسمية، وبضمان شيك بدون تاريخ. ويرى التميمي أن “المعلم هو الركيزة الأساسية للتعليم، وصاحب رسالة سامية تتجاوز حدود المهنة إلى بناء الإنسان وصناعة الأجيال”.

خطورة المبادرة: تداعيات تربوية واجتماعية وسياسية

إعفاء الحكومة من مسؤولياتها

تشكل هذه المبادرة خطراً حقيقياً على مبدأ المساءلة الحكومية، حيث تتحول مسؤولية دفع الرواتب من الحكومة إلى المجتمع، مما يمكن أن يتسبب بتخلي الحكومة الدائم عن التزاماتها تجاه موظفيها. وكما عبر أحد المعلقين على المنشور الأصلي للمبادرة: “للأسف أنتم بهذه المبادرات لا توجدوا حل، الحل هو أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها تجاه الموظف”.

المساس بكرامة المعلم

تؤسس هذه المبادرة لعلاقة غير متوازنة بين المعلم وأولياء الأمور، حيث يتحول المعلم من صاحب رسالة سامية إلى متلقٍ للمساعدة والعون، مما يفقده هيبته وقدسيته في المجتمع. وقد عبرت معلمات ومعلمون عن احتجاجهم على أوضاعهم تحت وسم #كرامة_المعلم، مؤكدين أن كرامتهم هي الخط الأحمر.

تفكيك التضامن المجتمعي

قد تؤدي هذه المبادرة إلى تفاقم الفجوات الطبقية في المجتمع، حيث تختلف قدرة أولياء الأمور على الدعم من منطقة إلى أخرى، مما يخلق تفاوتاً في دخل المعلمين بين المدارس في المناطق الميسورة وتلك في المناطق الفقيرة.

تطبيع الأزمة بدلاً من حلها

تحول هذه المبادرات الأزمة الاستثنائية إلى وضع دائم، حيث تخلق واقعاً جديداً يتعايش مع عدم صرف الرواتب، بدلاً من الضغط لحل جذري للأزمة. وكما حذر النقابي أسامة النجار: “هذا الأمر لن يستمر طويلاً، لأن قدرة الموظفين على الاحتمال وصلت الحد الأقصى”.

تحويل القضية السياسية إلى قضية خيرية

تُعد أزمة الرواتب في جوهرها قضية سياسية ناتجة عن احتلال يستخدم السياسات المالية كسلاح للضغط، وتحويلها إلى قضية خيرية يفرغها من بعدها السياسي، ويُسهل على الاحتلال الاستمرار في سياساته.

رؤية نقدية من الميدان التربوي

لقيت المبادرة تفاعلاً متبايناً من العاملين في الميدان التربوي، حيث رحب بها البعض ، باعتبار بالمبادرة بـ”خطوة شجاعة تسند المعلمين في لحظة حرجة”. بينما عبّر آخرون عن تحفّظهم، موضحين أن “هذا الحل قد يُستغل سياسيًا، ولا يجوز أن يُستخدم كبديل دائم عن التزامات الحكومة تجاه المعلمين”.

نحو حلول جذرية تحفظ الكرامة وتضمن الحقوق

يمكننا القول إن مبادرات صناديق الإقراض المدرسية، رغم أنها قد تبدو حلاً آنياً لتخفيف المعاناة، إلا أنها تشكل خطراً حقيقياً على كرامة المعلمين ومستقبل التعليم، وتعمل على إعفاء الحكومة من مسؤولياتها الأساسية. إن تحويل المعلمين إلى متسولين في مدارسهم يهدم أسس المهنة ويدمر هيبة التعليم.

إن الحل الحقيقي يكمن في الضغط السياسي والمجتمعي المكثف لاستعادة أموال المقاصة المحتجزة، ووضع خطط إصلاح مالي حقيقية ، وليس في تحميل المجتمع أعباء ليست من مسؤوليته. فالمعلم الذي لا تحفظ كرامته، لا يمكن أن يبني أجيالاً تحفظ كرامة الوطن. وكما قال التميمي نفسه: “المعلم لا يجب أن يبقى ضحية للظروف السياسية والاقتصادية، فكرامته من كرامة التعليم”، لكن هذه الكرامة لا تُستعاد بالصدقات، بل بالحقوق المصانة والرواتب المنتظمة.

  • – نسيم قبها – الإئتلاف التربوي الفلسطيني – الحملة العربية للتعليم

شاهد أيضاً

أسعار الذهب اليوم

أسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت أسعار الذهب اليوم الأحد 5 أكتوبر كالتالي :شراء 3885 بيع 3888