عامانِ في شِعرِ الجراح ، بقلم : محمد علوش

عامانِ في شِعرِ الجراح ، بقلم : محمد علوش

عامانِ..
والوجعُ الكبيرُ ينامُ في صدري،
كغيمٍ ضلَّ موعدَهُ،
كعصفورٍ يُهاجرُ من نوافذِنا
ولا يرجعْ.

عامانِ..
والأرضُ التي في العينِ
تتبعثرُ في الجهاتِ الأربعِ،
تصرخُ في الريحِ،
والريحُ تمضي،
لا تُجيبْ.

كم غابَ صبحُكِ يا بلادي،
كم بكى الموجُ الذي فينا،
كم خيَّطتْ أهدابُنا
ظلَّ المنافي
في شقوقِ القلبِ والدربِ الغريبْ.

يا وطناً
تعلَّقَ في المآذنِ صوتُهُ،
يبكي على صلواتِهِ،
ويُصلّي
كي يعودَ من الرمادْ.

أرضي على كفِّ انتظارٍ
تستغيثُ،
ولا مجيبْ،
والحُلمُ يمشي حافياً
بينَ الحجارةِ،
مثلَ عاشقٍ
ضاعَ الطريقْ.

ما زلتُ أكتبُ،
والنزيفُ يسيلُ من حرفي،
كأنَّ القصيدةَ جرحُنا الأزليُّ،
كأنَّ هذا الحبرَ آخرُ ما تبقّى
من نداءْ.

عامانِ..
من موتٍ يُعلّقُ فجرَنا
فوقَ المشانقْ،
كلّما قلنا: سنحيا،
عادَ يأكلُ حلمَنا
صمتُ الخنادقْ.

يا أرضَنا،
كم نحملُكِ الدعاءَ
ولا يُجدي؟
كم نرسمُكِ
على جدارِ الروحِ،
ثمّ نمحوكِ
بأصابعِ التيهِ العميقْ؟

عامانِ..
نُحصي الغيابَ،
ننامُ في ليلٍ طويلٍ
لا نجومَ لهُ،
ونُصغي للرحيلِ
كأنَّهُ وطنٌ جديدْ.

عامانِ..
نُصلّي كي نعودَ بلا قيودٍ،
كي يجيءَ الفجرُ
من نبعٍ بريءٍ،
لا يبيعُ النورَ
في سوقِ العبيدْ.

عامانِ..
والوطنُ العتيقُ
يذوبُ شيئاً فشيئاً في الحنينْ،
لكنَّنا
نبقى نحبُّ ترابَهُ،
حتى الرمادْ،
حتى إذا خانَ الزمانُ،
نظلُّ نحرسُهُ
بما تبقّى من قصائدْ.

ما زلنا نكتبُ اسمَهُ
فوقَ الجراحْ،
نحملُهُ في صدرِنا
كالصبحِ إن ضلَّ الطريقْ،
ما زلنا نغنّي،
رغمَ كلِّ الموتِ:
يا وطني..
صباحُكَ قادمٌ،
ولو تكسَّرَ كلُّ ضوءٍ في الطريقْ.