3:51 مساءً / 4 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

غزة للنموذج اللبناني ، بقلم : راسم عبيدات

غزة للنموذج اللبناني ، بقلم: راسم عبيدات

رغم الترحاب بالقرار الذي اتخذته حماس والمقاومة بالموافقة على خطة ترامب تحت عنوان “نعم ولكن”، والذي لم يكن، في ظل الحالة العربية البائسة على كل المستويات – الرسمية والحزبية – خطوة رسمية واضحة، وما لحق بمحور المقاومة من جراح عميقة بفقدان الساحة المركزية التي كانت من خلالها تُمدّ المقاومتان اللبنانية والفلسطينية بالسلاح— والمقصود هنا سوريا— بالإضافة إلى الجراح العميقة التي أصابت حزب الله بما عرف بـ ثلاثية “الحزمة القاتلة” وارتقاء أمينيه العامين، السيد نصر الله والشيخ هاشم صفي الدين— مما أدى إلى توقف جبهتي الإسناد اللبنانية والعراقية واقتصار الإسناد على جبهة اليمن، التي ما زالت حاضرة وتضغط على جبهة الاحتلال الداخلية من أجل وقف العدوان وفك الحصار عن قطاع غزة.

أمريكا و”إسرائيل”، طوال عامين كاملين، لم تفلحا في تركيع غزة لا عسكرياً كمقاومة ولا كحاضنة شعبية، رغم كل استخدام للتوحش والتغوّل والتجويع والحصار كسلاح في الحرب، وممارسة سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية. ولذلك كانت تهديدات نتنياهو وترامب بأن لا وقف للقتال في القطاع إلا بنزع سلاح حماس والمقاومة وابعاد قياداتها إلى الخارج، وأن لا يكون لحماس حضور مدني (حكم) ولا عسكري.

لهذا كانت أبواب جهنم مشرعة على أهلنا في القطاع، باستهداف الحاضنة الشعبية لدفعها للخروج على المقاومة. لكن بعدما فشلت كل أساليب الترهيب والترغيب، وعجز نتنياهو عن تحقيق ما يسميه بـ “النصر المطلق” واستعادة أسرى بدون تفاوض، وفي ظل ازدياد عزلة دولة الاحتلال وتصاعد تحولات في الرأي العام العالمي التي باتت تشكل عامل ضغط على حكوماته من أجل قطع علاقتها ب”إسرائيل” وفرض عقوبات عليها، ازدادت الضغوط على الاحتلال. هذه التحولات دفعت العديد من الدول التي تُعد داعمة ل”إسرائيل” أساساً— مثل فرنسا وبريطانيا وكندا وغيرها من الدول الأوروبية— إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الدورة الثمانين للجمعية العامة، في مسعى لمحاصرة الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في مدنها وعواصمها والتي تدعو لحصار إسرائيل وفرض عقوبات عليها.

في ظل هذا الحصار والعزل الدوليين المتزايدين لدولة الاحتلال، ووسط مخاطر انفجار الأوضاع في الدول العربية، جاءت خطة ترامب التي تعبّر عن جوهر الموقف “الإسرائيلي”، والتي – كما صرح سفير “إسرائيل “السابق لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان – إن من أشرف على صياغتها هو وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر.

جوهر هذه الخطة هو إطلاق سراح الأسرى “الإسرائيليين”، ونزع سلاح المقاومة الفلسطينية، ورفض الربط بين التطبيع العربي وإقامة الدولة الفلسطينية، مع تولي حكومة دولية انتقالية إدارة القطاع تحت ما يسمى بمجلس السلام، ويتصدره المأفون ترامب إلى جانب مجموعة من التجار والمستثمرين، بينهم توني بلير (الذي يوصف بمجرم الحرب لقيادته غزو العراق) ومن قاد ما يُعرف بـ “السلام الإبراهيمي”. الهدف من الخطة هو تصفية القضية الفلسطينية نهائيًا، لا إحياء “صفقة القرن” فحسب، بل التعامل مع الفلسطينيين كمجموعات سكانية عالمية، لا كشعب له وطن وأرض وقضية وحقوق. وقد مُنحت حماس 72 ساعة لإطلاق سراح الأسرى، وإلا فستفتح أبواب جهنم على حماس والمقاومة بطرق غير مسبوقة.

طرح هذه الخطة، والموافقة العربية والإسلامية عليها من قبل وفد الدول العربية الثمانية الذي التقى بترامب بناء على طلبه، أتى بعد إجراء تغييرات على نصها لتعبّر فعليًا عن الموقف الإسرائيلي، ودون الرجوع للطرفين العربي والإسلامي. وقد امتلك وزير خارجة باكستان الجرأة ليقول إن النص الذي عرضه عليهم لم يكن نفس النص الذي طرحه ترامب ونتنياهو في المؤتمر الصحفي.

الخطة جاءت كخشبة نجاة لنتنياهو، لكسب الوقت وتحويل الأنظار عما حقق من إنجازات سياسية فلسطينية، ولإلقاء الكرة في ملعب حماس والمقاومة الفلسطينية، وتقليص هامش المناورة أمامها، خاصة بعد الموافقة العربية والإسلامية. وفي هذا الإطار، أُطلق أسطول الصمود العالمي نحو فلسطين، بمشاركة متضامنين من 46 دولة، وبما يزيد عن 45 زورقًا وسفينة، وقرابة 500 ناشط بينهم برلمانيون أوروبيون، وحفيد نيلسون مانديلا، والناشطة السويدية غريتا ثونبرغ وغيرهم، بهدف إعادة إحياء القضية الفلسطينية والحراك الشعبي العالمي، الذي شهد تصاعدًا غير مسبوق، ليس للتضامن مع فلسطين فقط بل أيضاً مع المتضامنين، ممن كان مصيرهم بين الاعتقال والاستشهاد على يد جيش الاحتلال وبحريته.

رد حماس وفصائل المقاومة الإجماعي عبر تبني شعار “نعم، ولكن” عبّر عن حكمة وذكاء ومسؤولية، فليس بالإمكان أبداً أن يُبدعوا أكثر مما قدموا، فهامش المناورة ضيّق، والخذلان العربي والإسلامي كبير، والجبهات الداعمة لم تعد إلا جبهة اليمن العزة والكرامة. ومن هنا جاءت الموافقة على الاستعداد لقبول صفقة التبادل وإطلاق سراح الأسرى الأحياء والأموات، والانخراط في التفاصيل، بشرط أن تكون القضايا المتعلقة بمستقبل القطاع وحقوق الشعب الفلسطيني مرتبطة بموقف وطني جامع، واستنادًا إلى القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة.

نحن ندرك المزاج المتقلّب لترامب، وتبدل مواقفه خلال اليوم الواحد مرات عديدة، وأن همّه الأساس، بالتعاون مع نتنياهو، هو استعادة الأسرى ليُعلن أنه نجح في حل صراع وهمي عمره ثلاثة آلاف سنة، بل ليطالب بجائزة نوبل. للأسف، وبالرغم من الثمن الكبير الذي دفعه شعبنا، أقول إن هذه الحرب الهمجية على شعبنا في القطاع والضفة والقدس والداخل (48) لن تتوقف، لأن المشروع أكبر من غزة ويشمل المنطقة والإقليم، ولأن النموذج القائم في سوريا ولبنان غير مشجّع. الشيطان يكمن في التفاصيل، وقادة دولة الاحتلال وترامب بارعون في المماطلة والتسويف، والقضية المحورية بالنسبة لهما (وهي التي تهم الرأيين العامين الإسرائيلي والأمريكي) هي إطلاق سراح الأسرى؛ بقية القضايا (من قوة دولية وتركيبتها وانتشارها وآلية عملها) ستطول المفاوضات حولها.

ما سنصل إليه قد يكون انسحابًا جزئيًا من القطاع، ووقف إطلاق نار جزئي بوتيرة منخفضة، وتنفيذ عمليات انتقائية ضد مواقع وقادة المقاومة، وسنكون أمام النموذج اللبناني: “معركة بين حربين” — أي أن إسرائيل تستمر في عملياتها دون رد من المقاومة، وستخضّ الربط بين الانسحاب الشامل ونزع سلاح المقاومة، كما نشهد في لبنان حاليًا. وبما يخص الربط بين التطبيع وإقامة الدولة الفلسطينية، فدولة الاحتلال مستعدة للتخلي عن التطبيع مقابل رفض إقامة الدولة الفلسطينية.

القرار بوقف الحرب ورفع الحصار هو قرار جيد وصائب، لكن إنهاء الاحتلال سيطول، كما حصل في لبنان، إلا إذا أصرّت أمريكا و”إسرائيل” على مخططات الطرد والتهجير ضمن خطة أوسع وأشمل تستهدف المنطقة والإقليم. المنطقة والإقليم حُبلى بالتطورات، وربما يكون الهدف من الاتفاق تحييد جبهة القطاع للتفرغ لشن عدوان أشمل وأوسع على اليمن وإيران.

القدس المحتلة – فلسطين

شاهد أيضاً

الجيش الإسرائيلي : وقف عملية احتلال مدينة غزة

الجيش الإسرائيلي : وقف عملية احتلال مدينة غزة

شفا – أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي اليوم السبت، بأن الفرق الثلاث التي تناور في مدينة …