3:54 مساءً / 4 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

استئناف التعليم في غزة بعد الحرب: تصور تربوي واستعادة الأمل ، بقلم : نسيم قبها

استئناف التعليم في غزة بعد الحرب: تصور تربوي واستعادة الأمل ، بقلم : نسيم قبها

بين أنقاض المدارس تبزغ أقلام التحدي والنهوض

في أعقاب الحرب التي يشهدها قطاع غزة، يواجه النظام التعليمي تحدياً وجودياً غير مسبوق ، حيث المشهد التعليمي يقتضي رؤية تربوية متكاملة تجمع بين الإعمار العاجل للمنشآت والبناء النفسي والتربوي للمتعلمين والمعلمين . ومجازا فقد ( تمدرس) الطلاب إلى مقاعد الدراسة في خيام أو مدارس مدمرة، يفتقدون الزي المدرسي والكتب والقرطاسية، لكنهم يحملون أملاً أكبر في استعادة حقهم المسلوب في التعليم. تستند هذه الرؤية إلى فلسفة تربوية إنسانية تؤمن بأن التعلم والتعليم في أوقات الطوارئ ليس ترفاً، بل هو ضرورة وجودية تحفظ كرامة الإنسان وتعيد بناء مجتمعه.

تشخيص الواقع: تداعيات الحرب على البنية التعليمية

الدمار المادي والنفسي

كشفت تقييمات الأضرار أن 80% من المدارس في غزة تعرضت لأضرار متفاوتة، ما بين دمار كلي وجزئي، حيث دمرت مدارس بالكامل وتعرضت معظم المدارس لأضرار شديدة، بينما ما سلم جزئيا من مدارس متبقية تستخدم لإيواء النازحين. لكن الأخطر من ذلك هو الدمار النفسي والمعرفي الذي لحق بالطلاب، حيث أظهرت الدراسات أن 96% من التلاميذ الأطفال يشعرون بأن موتهم وشيك، و87% يظهرون خوفاً شديداً، و79% يعانون من الكوابيس. وتشير المعلمات في الميدان إلى أن العديد من التلاميذ يعجزون عن مسك الأقلام، ويواجهون صعوبات في القراءة والكتابة والفهم والإدراك، مع ظهور سلوكيات انسحابية أو عدوانية ، جرّاء الحرب الهمجية عليهم.

الفاقد التعليمي: أبعاده ومظاهره

يشكل الفاقد التعليمي التحدي الأكبر الذي يواجه العملية التعليمية في غزة ، وهو يشير إلى الفجوة أو النقص في المعارف والمهارات التي كان من المفترض أن يكتسبها الطالب في مرحلة تعليمية معينة. وقد تفاقم هذا الفاقد بسبب انقطاع الطلاب عن الدراسة النظامية لمدة تقارب السنتين بشكل متواصل ، ضاعت عليهم خلالها ثلاثة فصول تعليمية كاملة. ويتجلى هذا الفاقد في:

· ضعف المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب
· تراجع الدافعية للتعلم والشعور بالإحباط
· صعوبات في الفهم والإدراك والبطء في معالجة المعلومات
· تدهور مهارات التفكير العليا كالتحليل والنقد وحل المشكلات

التصور المقترح: رؤية متكاملة للاستئناف التعلمي التعليمي

المرتكزات الفلسفية والتربوية

تقوم رؤيتي المتواضعة المقترحة على فلسفة تربوية تكاملية قدر المستطاع ، تجمع بين البعد الإنساني والكفاءة التربوية، مستندة إلى مبادئ:

· المرونة والتكيف مع الواقع الطارئ دون التخلي عن الجوهر التعليمي
· الشمولية في معالجة الأبعاد المعرفية والنفسية والاجتماعية
· المشاركة المجتمعية في صنع القرار التعليمي وتنفيذه
· الاستدامة ببناء نماذج تعليمية قادرة على الصمود أمام الأزمات

محاور التنفيذ الإجرائية

المحور الأول: البيئة التعليمية الآمنة والداعمة

تبدأ العملية بإجراء تقييم دقيق للأضرار ووضع خريطة جغرافية تعتمد على تحليل التوزيع الجغرافي للبنية التحتية للمدارس حسب حجم الضرر. ويمكن تصنيف المناطق حسب أولويات التدخل:

· المناطق الريفية والضواحي الأقل تضرراً كدير البلح والمغازي وبيت لاهيا حيث يمكن إعادة التشغيل السريع
· المناطق ذات الأضرار الجزئية التي تحتاج لإصلاحات متوسطة
· المناطق المدمرة كلياً التي تتطلب إعادة بناء شاملة

في الموازاة، يتم إنشاء مساحات تعلم مؤقتة في الخيام والمرافق المجتمعية المتاحة، مع توفير الحد الأدنى من المستلزمات الدراسية.

المحور الثاني: المنهاج العلاجي والتكاملي

يعتمد هذا المحور على تفعيل منهجية التعلّم المعجّلة التي تجمع بين:

· المنهاج المعالج للفاقد التعليمي من خلال حصص مكثفة تركز على المهارات الأساسية
· المنهاج الداعم نفسياً واجتماعياً الذي يدمج الخدمات الإرشادية ضمن الأنشطة الصفية واللاصفية
· المنهاج المرن القابل للتكيف مع الاحتياجات المتباينة للمتعلمين

ويتم ذلك من خلال خرائط المفاهيم التي تساعد في إعادة تنظيم المعرفة لدى المتعلمين، وربط المفاهيم ببعضها البعض في أشكال تخطيطية تيسّر عملية الفهم.

المحور الثالث: المعلم فاعل التغيير

قبل كل ذلك يتم تنفيذ برامج تدريب مكثفة للمعلمين تركز على:

· استراتيجيات التعلم النشط التي تحفز المشاركة الإيجابية للطلاب
· التدريس المصغر كأسلوب لتمكين المعلمين من تقديم الدروس في فترات زمنية مركزة
· التقويم التشخيصي والبنائي لتحديد مواطن الضعف وعلاجها فوراً
· التعليم المتمايز لمراعاة الفروق الفردية بين الطلاب الذين عاشوا تجارب متباينة خلال الحرب

المحور الرابع: آليات التعلم المدمج

نظراً للظروف الاستثنائية، يتم تبني نموذج التعلم المدمج الذي يمزج بين التعليم الوجاهي والتعلم عن بُعد باستخدام الوسائل المتاحة. ويمكن تفعيل الفصل المعكوس حيث يطلع الطلاب على المواد التعليمية عبر وسائط متعددة في بيئاتهم قبل مناقشتها في الصف.

المحور الخامس: الدعم النفسي والتربوي

يشكل الدعم النفسي الركيزة الأساسية لنجاح أي عملية تعليمية، من خلال:

· تضمين أنشطة التفريغ النفسي ضمن الجدول الدراسي
· تدريب المعلمين على اكتشاف علامات الصدمة والتعامل معها
· توظيف استراتيجيات التعلم الاجتماعي العاطفي
· تفعيل دور المرشدين التربويين في تقديم الدعم الفردي والجماعي

خارطة الطريق عامة للتنفيذ

توفير مساحات تعلم آمنة ، مع التقييم السريع للاحتياجات ، وإعداد البرامج النفسية الطارئة من وزارة التربية – اليونيسف – المنظمات المحلية ، ومن ثم الانتقال
إلى البرامج العلاجية للفاقد التعليمي – تدريب المعلمين – تطوير المواد التعليمية من وزارة التربية – المؤسسات الأكاديمية – المجتمع المدني ، ويوازي ذلك أيضا عملية
الإعمار المستدام المتوقع (1-3) سنوات في إعادة بناء المدارس – تطوير المناهج – توطين نماذج التعليم الصامدة من الحكومة – الشركاء الدوليون – القطاع الخاص

نحو تعليم صامد بالحقيقة
إن استئناف التعليم في غزة بعد الحرب ليست عملية تقنية أكاديمية فحسب، إنها مشروع وجودي يعيد للأطفال حقهم في الطفولة والتعلم والأمل. والنجاح في هذه المهمة يتطلب رؤية تربوية متكاملة تجمع بين العاجل والآجل، والمادي والمعنوي، والفردي والمجتمعي. إنها معركة تعيد للتعليم دوره كمنارة للأمل وسفينة النجاة من بحار اليأس والدمار. فبينما قد تكون الحرب قد دمرت المباني، إلا أنها لم تستطع أن تدمر إرادة التعليم التي تتجلى في كل طفل يعود إلى مقعد الدراسة، وكل معلم يمسك بقطعة طباشير، وكل كلمة تقرأ من بين السطور.

“كثيرو التأمل والسرحان والتفكير” هكذا وجدت المعلمة ( غ) تلاميذ غزة، لكنها تؤكد أن “أطفال غزة أذكياء وسيستعيدون قدراتهم سريعاً ويعوضون ما فقدوه خلال الحرب”.

  • – نسيم قبها / باحث تربوي – الإئتلاف التربوي الفلسطيني والحملة العربية للتعليم

شاهد أيضاً

الجيش الإسرائيلي : وقف عملية احتلال مدينة غزة

الجيش الإسرائيلي : وقف عملية احتلال مدينة غزة

شفا – أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي اليوم السبت، بأن الفرق الثلاث التي تناور في مدينة …