خُذينِي إلى الدُّرُوبِ البَعِيدَةِ ، بقلم : محمد علوش

خُذينِي إلى الدُّرُوبِ البَعِيدَةِ ، بقلم : محمد علوش

خذينِي إلى الدُّرُوبِ البَعِيدَةِ،
يا مريمَ المجدليّةَ،
حيثُ يذوبُ الصَّدى
في مياهِ الغيابِ،
وحيثُ الحِجارةُ
تخلَعُ صَمتَ القرونِ
وتُصغِي لخطايَ.

خذينِي،
فإني تعِبْتُ من الأُفُقِ الضَيِّقِ،
من حائطٍ تَكْتَظُّ بِالأمنياتِ المكسَّرةِ،
من غيمةٍ لا تُمطِرُ
إلاّ رَماداً على راحَتَيَّ.

دَلِّينِي على النَّبعِ،
على فَتْنَةِ الضّوءِ في عتمةِ الرُّوحِ،
على وَرْدَةٍ لا تَمُوتُ
ولو مَرَّتْ عليها
جُيوشُ الخَرابِ.

يا مريمُ،
عَلِّقِينِي على خاصِرَةِ الرِّيحِ،
كي أظلَّ مُسافِراً
بينَ وَهْمِي ويقيني،
عَلِّقِينِي نَجْمَةً في فَضَاءٍ
يُناجي العَدمَ.

خذينِي إلى الدُّرُوبِ البَعِيدَةِ،
ففيها أُخبِّئُ هذا الظَّمأَ،
وفيها أُنَادِي اسْمِي القَدِيمَ
ليعودَ طِفْلاً
ويَغفو على رُكْبَتَيْكِ.

خذينِي،
إلى حيثُ يَشرَبُ الرَّمْلُ مِن دَمِ الحِفاةِ،
إلى حيثُ يَغسِلُ البَحرُ أقدامَ القَتْلى
ويُعيدُ لهم أَسْماءَهُم الأُولى،
إلى حيثُ تَسكنُ عِظامُ الأنبياءِ
في قِمَمٍ من غِبارٍ مُقَدَّسٍ.

يا مريمُ،
أنا العابِرُ في نُصوصٍ لم تَكتَمِلْ،
المَصلوبُ على أَسْئِلَةٍ لا تُجيبُ،
المُحاطُ بوجُوهٍ بلا مَلامِحَ،
أبحَثُ عن قَمحٍ يَنبتُ في صَحراءِ الرُّوحِ،
وعن نَجْمَةٍ تُساعِفُنِي حينَ يَخذُلُني اللَّيلُ.

خذينِي،
فأنا آخِرُ أحفادِ جِلْجامَشَ،
أبحَثُ عن عُشْبِ الخُلودِ
في بساتينٍ أحرَقَتْها الحَربُ،
أنا عابِرُ الطوفانِ،
أنتَظِرُ فُلْكاً يُنقِذُني من غَرَقِ المُدُنِ،
وأنتِ وَحْدَكِ حَمامَةُ الزَّيتُونِ.

أطلِّي عَلَيَّ كَنَّداءٍ من أُسْطُورَةٍ سَحيقَةٍ،
عَلِّقِينِي على وَتَرِ النّايِ،
كي أَنامَ في موسيقى الحَنِينِ،
أو أضمِّدَ جَرحي بِدَمْعَةٍ
من نَهْرِ الأردنِ،
قبلَ أن يَسقُطَ رأسي
بينَ حِجَارَةِ الجلجلة.

خذينِي إلى الدُّرُوبِ البَعِيدَةِ،
فقد تَعِبْتُ من زَنَازِينِ الضَّياعِ،
تَعِبْتُ من كِتابَةِ أَسْماءِ الشُّهَداءِ
على جُدرانِ اللَّيلِ،
تَعِبْتُ من انْتِظارِ قِيَامَةٍ
لا تأتي إِلاّ بالدَّمِ.

يا مريمُ،
امسَحي بِيَدَيْكِ غِبارَ المنفى عن وجْهي،
وأعِيدِينِي إلى الطُّفُولَةِ،
إلى ظِلِّ الزيتُونِ،
إلى قُبْلَةِ أُمِّي
حينَ كانَ العالَمُ أوسعَ من سِجْنٍ،
وأبهَى من تابُوتٍ.

خذينِي،
لَعَلِّي أَجِدُ في الدُّرُوبِ البَعِيدَةِ
مَعْنًى لما تَكسَّرَ في قَلبي،
لَعَلِّي أَكتُبُ إنجيلي الخاصَّ
بمِدادِ الدّموعِ،
وأنتِ شاهِدَةٌ على صَلاتِي الأخِيرَةِ.