
قراءة وارفة وجدانية في كتاب قمر بين شجرتين ، بقلم: رانية مرجية
حين أمسكت بكتاب قمر بين شجرتين لهلالة مخلوف، لم أجد نفسي أمام ديوان أو مجموعة عابرة، بل أمام مرآةٍ صافية علّقتْها الكاتبة في فضاء الروح، كي نطلّ منها على الداخل بقدر ما نطلّ على العالم. الكتاب ليس أوراقًا تجمع نصوصًا، بل حديقة من ظلال وضياء، حيث القمر يتدلّى بين شجرتين كرمزٍ للتماسك والانفصال، للثبات والتحوّل، للظل والنور.
القمر: قلب النص
القمر في هذه المجموعة ليس جرمًا سماويًّا فقط، بل كائن حيّ، شاهد ومشارك في رحلة الإنسان. يتأرجح بين الكمال والغياب، بين البدر والهلال، تمامًا كما تتأرجح قلوبنا بين امتلاءٍ وخواء. هلالة مخلوف جعلت القمر جزءًا من ذاكرتنا الجمعية، حبيبًا غائبًا حاضرًا، ورفيقًا صامتًا يعكس كل ما نخفيه.
الشجرتان: الجذور والازدواجية
وجود الشجرتين في العنوان ليس صدفة. إنهما معًا رمزان للجذور والظل، للثبات في الأرض رغم الرياح. بينهما يتدلّى القمر، كأننا أمام حوار أبدي بين السماء والأرض، بين العلو والرسوخ. في قراءتي، الشجرتان قد ترمزان للعلاقة الإنسانية: الأم والابنة، العاشقان، الأنا والآخر. وبينهما دائمًا مسافة، فراغ يملؤه القمر بضيائه.
لغة النص: أنفاس شعرية
اللغة هنا لغة الوجد:
• كلمات قصيرة لكنها كالرصاص في أثرها.
• صور شعرية مشعّة، تُشبه لوحات مائية يتماهى فيها الضوء بالظل.
• إيقاع يميل إلى الهايكو في بساطته وكثافته، كأن الكاتبة تكتب كي تترك صدى أكثر مما تترك شرحًا.
القارئ يجد نفسه أمام موسيقى داخلية تُسري في النصوص، كأنها عزف على وتر القلب مباشرة.
ثيمات مركزية
1. الحب: ليس الحب الرومانسي وحده، بل الحب كقوة بقاء، كإيمان بأن للحياة معنى.
2. الاغتراب: القمر وحيد رغم حضوره في السماء، والشجرتان متقابلتان لكن بينهما فراغ. إنه الغياب الذي يسكن الحضور.
3. الأمل: رغم الحزن الذي ينساب بين الكلمات، هناك دائمًا ومضة رجاء. القمر يعود مهما غاب، والفصول تتعاقب مهما طال الليل.
الأثر الوجداني
وأنا أطوي صفحات قمر بين شجرتين شعرت أنني أطوي فصولًا من حياتي. كل نصّ يترك في القلب أثرًا: دمعة تُقاوم الانحدار، ابتسامة تستيقظ رغم الألم، وصوتًا داخليًا يقول لي: “أنتَ لست وحيدًا، فثمة قمر يتدلّى بين شجرتيك الداخلية”.
خاتمة
هلالة مخلوف في هذا العمل لم تكتب شعرًا فحسب، بل زرعت قمرًا في ذاكرة القارئ. جعلتنا نلمس الضوء والظل معًا، نرى أنفسنا بين الجذور والفروع، بين الغياب والحضور.
إنها قراءةٌ تدعونا أن نرفع رؤوسنا نحو السماء، وأن نبحث عن قمرنا الخاص، مهما حاصرنا الظلام