12:15 مساءً / 14 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

البلاد العربية والإسلامية على مفترق طرق ، بعد كسر نتنياهو الجرة على رؤوسهم ، بقلم : راسم عبيدات

البلاد العربية والإسلامية على مفترق طرق ، بعد كسر نتنياهو الجرة على رؤوسهم ، بقلم : راسم عبيدات


في البداية، وقبل الغوص في عمق المقالة، لا بد لنا من توضيح بعض الحقائق التي سنبني عليها عملية التحليل.

قطر هي الشريك الاستراتيجي لأمريكا من خارج حلف الناتو، وكذلك مجلس التعاون الخليجي، الذي تأسس عام 1990، وبقرار أمريكي؛ لكي يُشكّل صدًّا وندًّا للثورة الإسلامية القادمة من إيران.

يبدو أن ترامب لديه مسّ من جنٍّ وعداء مستحكم لكل من لديه ميل أو توجه إسلامي، بغض النظر عمّا إذا كان مقاومًا أو غير مقاوم، أو ما يُسمّى بـ «الإسلاموفوبيا». فأمريكا سعت إلى إسقاط حكم أردوغان، رغم أن أردوغان عضو في حلف الناتو، ولم تُقبل عضويته في الاتحاد الأوروبي رغم كل الاستجداء.

أمريكا ومعها إسرائيل صورتا للعرب عدوًّا وهميًّا يريد أن يبتلعهم ويهدد أمنهم واستقرارهم وعروشهم، عبر العبث بأسس الصراع وجوهره وتحويله من صراع عربي-إسرائيلي — جوهرة القضية الفلسطينية — إلى صراع إسلامي-إسلامي مذهبي بين السنة والشيعة، وأن إيران هي العدو الذي يتربص بدويلات ومشيخات الخليج، وأنه يجب مجابهة ما سمّوه بـ «المثلث الشيعي» الممتد من طهران إلى العراق فلبنان، والذي بات له حضوره في سوريا واليمن وفلسطين، وأنه يجب القضاء على محور المقاومة بدوله وحركات مقاومته، فهذا المحور ووجود المقاومة وسلاحها وسلوكها هو السبب فيما تقوم به إسرائيل من عربدة واستباحة للجغرافيا العربية القربية والبعيدة،وانتهاك سيادتها، وليس الطبيعة والسلوك العدواني والوحشي الإسرائيلي القائم على الغطرسة والعنجهية وضرورة تحقيق حلم الآباء الصهاينة المؤسسين بإقامة «إسرائيل الكبرى».

الأمريكيون و”الإسرائيليون” أسقطوا الأطروحة السياسية التي سادت بعد حرب عام 1967، “الأرض مقابل السلام”، والتي تبنتها قمة بيروت العربية في لبنان في آذار 2002، وتم استبدال تلك الأطروحة، وخاصة بعد معركة السابع من أكتوبر 2023، والتي رفعت الاستهداف الوجودي لدولة الاحتلال إلى أقصى درجاته، بـ “التطبيع والسلام مقابل الأمن”. وأصبحت ترى أنها لن تقبل بقيام دولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين التاريخية، وهي لا تحتمل رؤية الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين مقاومًا ومطبعًا، بل تقبل وجوده خارج فلسطين.

هناك حالة من التماهي غير المسبوق بين اليمين التلمودي التوراتي الصهيوني اليميني المتطرف مع اليمين الأنجليكاني المسيحي الأمريكي اليميني المتطرف.

إن إسقاط الأطروحة السياسية التي سادت بعد حرب حزيران 1967 “الأرض مقابل السلام” ترتب عليه قيام أمريكا بشطب النظام الدولي والأمم المتحدة ومؤسساتها وكل مبادرات مراقبة مسائل الحقوق والقانون إلى غير رجعة، وأصبح الكونغرس الأمريكي هو الذي يشرع للعالم، وكذلك خطابات نتنياهو وترامب.


أمريكا و”إسرائيل” في أعلى درجات التوحّش والتغوّل، وقد باتوا يقولون بشكل واضح: سنقتل، ونُدمّر، ونُحرّق، ونغيّر؛ وحتى لا يتورّعوا عن القول إنّهم جاهزون لاستخدام السلاح النووي. وأكثر من مسؤول أمريكي و”إسرائيلي” دعوا إلى قصف غزة بالسلاح النووي؛ وهم لا يؤمنون بالحل السياسي والدبلوماسي مع خصومهم، فكيف بأعدائهم؟ وهم بذلك ينتقلون بالصراع إلى صراع دون ضوابطٍ وقواعدٍ ودون أخلاق.

فنرى نتنياهو يقول علناً إنه لا حصانة لأي دولة عربية أو إسلامية يتواجد فيها قادة المقاومة، حتى لو كانت مثل قطر، الحليف الاستراتيجي لأمريكا من خارج الناتو، أو تركيا العضو في حلف الناتو.

ترامب ومعه نتنياهو يقولان إن القوة هي وحدها ما تصنع السلام، ولذلك وجدنا بعد السابع من أكتوبر/2023 أن أمريكا تقود هذه الحرب مباشرةً وترعاها، دون تصور سياسي واضح للخروج أو لقياس معيار النجاح. على شعبنا الفلسطيني، وعشّش في رؤوسهم أنّ قوتهم الكبيرة الهائلة، والمزودة بأحدث السلاح والتكنولوجيا، ستوفر لهم نصرًا كبيرًا، أو ما يسميه نتنياهو “النصر المطلق”، وسيُنَجحون في دفن القضية الفلسطينية وتصفيتها إلى الأبد. لكنهم اكتشفوا أن القضية الفلسطينية باتت تجوب كل مدن وعواصم العالم، وساحاته وميادينه وجامعاته ونخبه.

وليأتي التصويت على “إعلان نيويورك” في الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس الجمعة، حول الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ومسار سياسي مسقوف زمنياً لحل القضية الفلسطينية قائم على حل الدولتين، ليشكّل هزيمةً سياسيةً مدويّةً لأمريكا و”إسرائيل”. فرغم التهديد والوعيد، لم تنجح أمريكا، سوى بتجنيد نفسها مع شريكتها “إسرائيل” والأرجنتين، وسبع جزرٍ مستقلّةٍ عن أمريكا، ضد القرار، وهذا يشكّل إقرارًا بفشل الحلول العسكرية والأمنية للقضية الفلسطينية.

أمريكا باتت مذعورة و”متغولة” و”متوحشة”، وهي ترى أن بزوغ فجر عالم تعدّد القطبية سيولد رغماً عنها بسبب صلفها وعنجهيتها وأخطائها وفوقيّتها وغطرستها. ترى ذلك في قمة شنغهاي التي عُقدت في الصين بمشاركة عشرين دولة، في مقدمتها روسيا والصين وإيران والهند وباكستان وكوريا الشمالية ومصر، وقد نجحت القمة حتى بين الخصوم في تجاوز خلافاتهم — الصين والهند، الهند وباكستان.

أمريكا و”إسرائيل” دخلتا مرحلة الجنون واللامعقول، والصراع يزداد اشتعالًا، ولا يبدو أنهما قادرتان على التوقف أو التراجع. ويبدو أن معركة السابع من أكتوبر ودماء أبناء غزة — شيوخًا ونساءً وأطفالًا — ستكون قاطرة التغيير العالمي، وولادة نظام تعدّد قطبية.

ورغم كل الحديث عن تغيير وجه الشرق الأوسط والقضاء على محور المقاومة — بدءًا من الحلقة السورية وإسقاط سوريا دولة ونظام، والضربات القاسية التي تعرّض لها حزب الله وإيران ومقاومة قطاع غزة — فإنّ أمريكا ولا “إسرائيل” لم تتمكّنا من حسم الصراع. فالمعركــة والجبهات ما زالت مفتوحة، وخسائر “إسرائيل” أصبحت من النوع الذي لا يُمكن تصحيحه، وقدراتها من النوع الذي لا تُغسَل معه الذنوب ولا يُعاد تبييضها، وكذلك الأمر بالنسبة لأمريكا.


بعدَ إقدام إسرائيل على انتهاك سيادة قطر وتهديد أمنها واستقرارها، واستهداف ضيوف من قادة حماس على أرضها، وبموافقة أمريكية وإسرائيلية، فذلك بحدّ ذاته يجب أن يجعل الدول العربية الرسمية، وخاصة الخليجية منها، تصل إلى قناعة بأنّ الأمريكيّ، عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، تكون الأولوية لمساعدتها وحمايتها، حتى لو كان المستَهدف دولة مثل قطر، وهي الحليف الاستراتيجي لأمريكا من خارج الناتو.

ولذلك، تتوفر اليوم فرصة لجميع القوى العربية من قوى مقاومة، وحركات إسلامية، وأنظمة رسمية، أن تعيد حساباتها وأولوياتها وعلاقاتها بأمريكا، التي ثبت بالملموس أنها لا تلتفت إلى سيادة تلك الدول أو حمايتها، بل تنظر إليها من منظار أنها تملك أموالاً وثرواتٍ يجب الاستحواذ عليها.

وعليه، فإنه بات من الملح والضرورة أن توظف الدول العربية مصالحها في خدمة السياسة، فهي تمتلك الشيء الكثير في هذا الجانب بشريًا وماديًا، وثرواتٍ، وعلاقات تجارية واقتصادية وسياسية ودبلوماسية، وموانئ وبحار وأجواء، وموقعًا جيو‑استراتيجيًا. وإذا ما وظّفت ذلك لكي تمارس به ضغوطًا هائلة وجدية على أمريكا لكي تضغط بدورها على إسرائيل لوقف حرب الإبادة الجماعية والتجويع والتطهير العرقي في قطاع غزة، وفتح المعابر لدخول المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ، وكذلك وضع مسار حلّ الدولتين موضع التنفيذ، وليس البقاء في الجانب الشعاري والنظري.

توجه التيارات الإسلامية لتركيز خطابها على التهديد الأميركي لكلّ المنطقة وجعل هذه المسألة رأس الأولويات وتجميد الخلافات البينية لصالح مواجهة التهديد الشامل الذي يتهدد كياناتنا.

ضرورة أن يؤسّس هذا الحدث لوضعية علاقاتية جديدة بين قوى منطقتنا ودولها العربية منها والإسلامية وفتح كوّة في جدار الخصومة وإنتاج إمكانية لتواصلات كانت قد قُطعت بين القوى والدول في ظروف معيّنة؟ فهذا التهديد غير المسبوق، بل هل هذا المسار والنمط والأسلوب الجديد من التهديد يجب أن يقرّبنا بحيث إنْ لم نتلاقَ على أجندة مواجهة العدو فعلنا نتفق على عدم طعن بعضنا من الخلف؟.

فلسطين – القدس المحتلة

شاهد أيضاً

الاحتلال يخطر بالاستيلاء على نحو 3 دونمات من أراضي كفر الديك غرب سلفيت

شفا – سلمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، اخطارا بالاستيلاء على مساحة تقارب 3 دونمات …