دمي هناك ، بقلم : محمد علوش

دمي هناك ، بقلم : محمد علوش

دمي هناكَ،
يُضيءُ العتمَ في جُرحي،
ويُوقظُ في دمي شجراً
تغنّى بالرياحِ ولم يَهِنْ،
تُساهرُهُ خُطى الأبدِ،
وتحرسُهُ أراملُنا
كأنّ الضوءَ في عينيه
محرابٌ لمن رحلوا،
ولم يعرفْ لهم أحدٌ سبيلْ.

صوتي هناك،
في وترٍ يُنادي الغيمَ،
يُشاغبُ صمتَ مقصلةٍ،
ويستعصي على الشفَةِ البليلةِ بالرحيلْ.
أُغنّي من حطامِ القلبِ،
من وجعٍ يفتّتني،
ومن ألمي
تُفتّشني الدروبُ بلا دليلْ.

وجهي هناك،
في صمتِ الذينَ رجعوا
بلا زمنٍ،
وفي نواحِ الحلمِ إن عشقوا
سماءً ما لها قُبَلٌ
ولا أفقٌ يَميلْ.

دمي هناك،
وفي كفّي هنا وطنٌ
يُراودُني كظلّ النار،
يُقصيني خُطاهُ كما
يُقصي عن الغاباتِ
ماءُ الغيمِ أوراقَ النخيلْ.

وجعي يسيرُ وراء الغيمِ،
منكسراً كأفقٍ
لا يبوحُ بسرِّه،
وتطيرُ أغنيتي جراحاً
لا تُفسَّرُ،
حين يشتعلُ اللقاءُ
كأنّهُ برقٌ يضيءُ الأرضَ
ثم يذوبُ في ليلٍ طويلْ.

وطني هناك،
يناديني،
ولا تبقى السُبُلْ
إلا دمي..
هل في فمِ الأرضِ اغترابٌ،
إنْ أنا سكنتُها،
وحملتُها وجعاً معي
حتى أزولْ؟

في الحقلِ صبحٌ كان يعرفني،
وفي الزيتونِ وجهُ جدودنا،
هتفوا:
إذا سقطتْ يدٌ،
تبقى لنا لغةُ الحَجَرْ،
تبقى لنا نارُ السفرْ،
تبقى لنا أمٌّ
تُعيد الحرفَ إن غابَ القمرْ.

دمي هناك،
وفي كفّي هنا وجعٌ
يُمشطُ الوقتَ كالأغصانِ
حين يعرُوها ربيعُ الريحْ..
أنا لا أملكُ غير دمعي،
غير هذا القلبِ..
لكنّهُ،
كأرضي، لا يُهادنُ،
إنّما يَحيا مقاوِمْ.