9:50 مساءً / 9 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

ضوء الذاكرة ورائحة التفاح ، تعليقاُ على نص المتوكل طه: “أنا وأُمّي ويافا .. بساط ضوء وامرأة من تفّاح” ، بقلم : محمد علوش

ضوء الذاكرة ورائحة التفاح ، تعليقاُ على نص المتوكل طه : “أنا وأُمّي ويافا.. بساط ضوء وامرأة من تفّاح” ، بقلم: محمد علوش

في نص المتوكل طه “بساط ضوء وامرأة من تفّاح” نجد يافا حيّة تتنفس في قلب الكلمات، تتجلّى في صور الشعر والنثر معاً، كأن المدينة نفسها تحكي قصتها عبر ذاكرة الشاعر وأمه، فاللغة هنا ليست مجرد أداة لنقل الأحداث، بل جسد حيّ وروح متفجّرة تأخذ القارئ إلى أعماق المدينة وحواسها، لتصبح كل زهرة، وكل نسمة، وكل حلم جزءاً من وجدانه الداخلي.


المدينة في النص تتحدث، والذكريات تتلألأ كضوء على سطح الماء، تكشف عن الحنين والألم والجمال في آن واحد، فالأم رمز للذاكرة، تمثل يافا كما كانت، وتلهم الراوي بصوتها وكلماتها، فتتخذ الحياة كلها في النص شكل قصيدة طويلة، تتشابك فيها الرؤية والتخيل، والواقع والرمزية، ويافا هنا ليست مجرد مكان، بل كائن حي ينبض بالمشاعر والتاريخ، تختلط فيه الأشواق بالغضب، والجمال بالدمار.


الرمزية في النص قوية، فالمدينة تحضر كجسد حيّ، تتألم وتختنق، وتحمل آثار الزمن والتحولات الاجتماعية والسياسية، فبين “أقفاص حجرية بدل القرميد” و”سجن الحرّ، وحريّة السجين”، يبرز التناقض بين الماضي والحاضر، بين الحرية والقيود، وبين الحلم والواقع القاسي، وكل صورة، وكل تفصيل، حتى الضوء والمطر والدموع، تصبح نافذة على عالم داخلي عميق، يربط بين الهوية والوجدان، بين الفرد والمكان، وبين الحنين والحقيقة التاريخية.


العاطفة في النص متدفقة وحنونة، تختلط بالوجدان الشخصي والوطنية، فتجعل القارئ يشارك الشاعر الحزن والحنين والأمل، فالأمومة، المدينة، الذكريات، الطبيعة، كلها عناصر تتشابك لتخلق نسيجاً شعورياً يلامس الروح ويغرس في القارئ شعوراً بالانتماء والشفقة على ما فقد، فالنص لا يكتفي بالحنين، بل يعكس مأساة التحولات التاريخية والاجتماعية، ويقدّمها بلغة شاعرية، تجعل الألم والجمال في وحدة متكاملة.


ورغم طابعه الشخصي، يمتد النص إلى بعد وطني واضح، فالمدينة والذاكرة تمثلان فلسطين بأكملها، والحنين للمدينة الأولى يوازي الحنين للهوية والوجود، والنقد الاجتماعي والسياسي يتخلل النص بسلاسة، من خلال التجربة الشخصية، فيتحد الوجد بالجغرافيا، والخيال بالتاريخ، ليقدّم نصاً يمزج بين الشعر والنقد والتأمل العميق في الهوية المفقودة والمعاناة الجماعية.


“بساط ضوء وامرأة من تفّاح” نص يفيض بالحياة والذكريات، ويحوّل يافا إلى مساحة شعرية متكاملة يمكن للقارئ أن يعيشها ويشم رائحتها ويتلمس دفء أشجارها وضوء شمسها، وهو ما اعتدنا عليه في الكتابة الإبداعية المتنوعة التي تميز بها الشاعر والأديب الفلسطيني د. المتوكل طه.


إنها تجربة أدبية استثنائية، تجمع بين الشعر والنثر، بين الحنين والواقع، بين الفرد والوطن، وبين الجمال والمأساة، فتظل يافا، رغم الألم والغياب، حيّة في الكلمات كما كانت في الذاكرة، كما ينبغي أن تكون.

شاهد أيضاً

الخارجية

الخارجية تدين العدوان الإسرائيلي الغاشم على الدوحة

شفا – أدانت وزارة الخارجية والمغتربين، العدوان الإسرائيلي الذي استهدف العاصمة القطرية الدوحة، وتعتبره انتهاكا …