5:25 مساءً / 28 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

إدارة المخاطر والامتثال : القيادة الذكية والتحولات التنظيمية والتكامل الاستراتيجي ، بقلم : د. عمر السلخي

إدارة المخاطر والامتثال: القيادة الذكية والتحولات التنظيمية والتكامل الاستراتيجي ، بقلم : د. عمر السلخي


نحو نموذج فلسطيني يعزز الصمود المؤسسي


من الأزمات إلى الاستباق: كيف تغيّر إدارة المخاطر قواعد اللعبة؟

في زمن تتسارع فيه التغيرات وتتعاظم فيه التحديات، لم تعد المؤسسات قادرة على الاكتفاء برد الفعل عند وقوع الأزمات، بل أصبحت مطالبة بالانتقال إلى نهج استباقي قائم على إدارة المخاطر والامتثال. إدارة المخاطر تعني توقع التهديدات المحتملة – سواء كانت سياسية، اقتصادية، صحية أو بيئية – ووضع خطط لتقليل أثرها. أما الامتثال فيرتبط بالقدرة على الالتزام بالمعايير والقوانين المحلية والدولية التي تنظم عمل المؤسسات.

في هذا السياق، تظهر القيادة الذكية باعتبارها حجر الزاوية في بناء مؤسسات مرنة وقادرة على الصمود، حيث تجمع بين الرؤية الاستراتيجية والقدرة على اتخاذ قرارات مبنية على بيانات وتحليل علمي.

القيادة الذكية… بين التوقع والابتكار في بيئة فلسطينية معقدة

القيادة الذكية لا تُقاس فقط بقدرة المدير على إدارة الأزمات اليومية، بل بمدى قدرته على:

توقع التحديات قبل وقوعها.

تعبئة الموارد البشرية والمادية بطريقة مرنة.

توظيف التكنولوجيا كوسيلة لتحليل البيانات واتخاذ القرار.

في فلسطين، يواجه القادة المؤسسيون بيئة معقدة تتداخل فيها المخاطر السياسية (الاحتلال والانقسام) مع الاقتصادية (الحصار، ضعف التمويل) والاجتماعية (البطالة، الهجرة). وهنا، يصبح القائد الذكي هو من يحول الأزمة إلى فرصة، ويستثمر في بناء أنظمة إنذار مبكر وآليات تواصل رقمية تضمن سرعة الاستجابة.

على سبيل المثال، خلال جائحة كورونا، استطاعت بعض البلديات والجامعات الفلسطينية أن تتحرك بسرعة عبر التعليم الإلكتروني أو خدمات بلدية رقمية، بينما عانت مؤسسات أخرى من غياب خطط مسبقة لإدارة المخاطر.

الامتثال كجواز عبور للمؤسسات الفلسطينية نحو الثقة الدولية

الامتثال المؤسسي لا يعني فقط الالتزام بالقوانين الوطنية، بل أيضًا التكيف مع المعايير الدولية في مجالات مثل الشفافية المالية، مكافحة الفساد، حماية البيانات، والحوكمة الرشيدة.

في فلسطين، حيث يسعى القطاع العام والخاص إلى تعزيز علاقاته مع المؤسسات المانحة الدولية، يصبح الامتثال أداة لبناء الثقة، وضمان تدفق التمويل، وجذب الشركاء الاستراتيجيين.

فعلى سبيل المثال:

المؤسسات الأهلية التي اعتمدت سياسات واضحة للامتثال عززت فرصها في الاستمرارية والوصول إلى تمويل خارجي، بينما عانت مؤسسات أخرى من توقف الدعم بسبب غياب المعايير.

ومن هنا تبرز الحاجة إلى تحديث التشريعات الفلسطينية بما يتماشى مع المعايير الدولية، خاصة في مجالات حماية البيانات والأمن السيبراني، ما يضمن استمرار المؤسسات في بيئة معقدة سياسيًا واقتصاديًا.

التحولات التنظيمية: من الجمود الإداري إلى المرونة المؤسسية

لكي تنجح المؤسسات الفلسطينية في إدارة المخاطر والامتثال، لا بد أن ترافق ذلك تحولات تنظيمية عميقة تشمل:

إعادة هيكلة العمليات الداخلية لتصبح أكثر مرونة وشفافية.

تطوير الموارد البشرية عبر تدريب مستمر على إدارة الأزمات والحوكمة.

إدماج التكنولوجيا الرقمية في مجالات المحاسبة، المشتريات، وإدارة المشاريع.

تجربة بعض البلديات الفلسطينية التي اعتمدت أنظمة رقمية لتحصيل الرسوم ومتابعة الخدمات تمثل نموذجًا ناجحًا للتحول التنظيمي. هذه الخطوة لم تحسن فقط الكفاءة المالية، بل ساعدت أيضًا في تقليل فرص الفساد وزيادة ثقة المواطنين.

ومن هنا، يصبح الاستثمار في الموارد البشرية – وخاصة فئة الشباب – ضرورة وطنية، ليس فقط عبر التدريب الإداري، بل من خلال بناء كوادر قادرة على قيادة التحول الرقمي، إدارة البيانات، وحماية الأنظمة من المخاطر السيبرانية.

التكامل الاستراتيجي… عندما يصبح التعاون ركيزة للصمود

إدارة المخاطر والامتثال لا يمكن أن تتحقق في فراغ، بل تتطلب تكاملًا استراتيجيًا بين مختلف الأطراف: الحكومة، البلديات، الجامعات، القطاع الخاص، والمجتمع المدني.

في الحالة الفلسطينية، يتجلى هذا التكامل في:

الشراكات بين الوزارات والجامعات لتطوير قواعد بيانات مشتركة في مجالات الصحة والتعليم والزراعة.

التعاون بين البلديات والمؤسسات الأهلية لتقديم خدمات الطوارئ أثناء الأزمات الأمنية أو الكوارث الطبيعية.

اندماج القطاع الخاص في برامج المسؤولية المجتمعية لدعم المبادرات التنموية المحلية.

ومن هنا، لا بد من تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع المؤسسات الدولية والإقليمية، ليس فقط للحصول على الدعم المالي، بل لنقل المعرفة والخبرة، بما يساهم في بناء منظومة متكاملة لإدارة المخاطر والامتثال.

تحديات الواقع الفلسطيني: بين الاحتلال والهشاشة الرقمية

رغم التوجه نحو القيادة الذكية والتحولات التنظيمية، يظل الواقع الفلسطيني محاطًا بتحديات كبرى:

قيود الاحتلال التي تحد من حركة الأفراد والسلع وتعيق تنفيذ المشاريع.

ضعف البنية التحتية الرقمية التي تعرقل تبني أنظمة حوكمة حديثة.

غياب التشريعات المتكاملة في مجالات مثل حماية البيانات والأمن السيبراني.

التبعية المالية للتمويل الخارجي وما يفرضه من اشتراطات معقدة.

هذه التحديات لا تقلل من أهمية المسار، بل تؤكد أن إدارة المخاطر والامتثال في فلسطين ليست مسألة إدارية فقط، بل قضية سيادة وحق في البقاء.

نحو نموذج فلسطيني لإدارة المخاطر والامتثال

للتغلب على هذه العقبات، يمكن صياغة نموذج فلسطيني يقوم على أربعة ركائز أساسية:

بناء أنظمة إنذار مبكر لرصد المخاطر المختلفة بشكل استباقي.

تحديث التشريعات الوطنية بما يتماشى مع المعايير الدولية.

الاستثمار في الموارد البشرية وتأهيل جيل جديد من القادة الشباب.

تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الفاعلين المحليين والدوليين.

القيادة الذكية كأفق للتحرر المؤسسي

إدارة المخاطر والامتثال ليست مجرد أدوات بيروقراطية، بل هي مداخل استراتيجية لبناء مؤسسات فلسطينية قادرة على الصمود والتحرر من الهشاشة. القيادة الذكية هنا تعني القدرة على التنبؤ بالمخاطر، رسم سيناريوهات مستقبلية، واتخاذ قرارات تعزز الاستدامة.

وعندما تتحول المؤسسات الفلسطينية إلى كيانات مرنة، شفافة، ومتكاملة استراتيجيًا، فإنها لا تدير الأزمات فقط، بل تصنع مستقبلًا أكثر استقرارًا. في واقع محفوف بالتحديات، تصبح إدارة المخاطر والامتثال هي الضمانة الأساسية لبقاء المؤسسات الفلسطينية على قيد الحياة، بل وتحويلها إلى أدوات مقاومة وبناء سيادة وطنية.

شاهد أيضاً

اللواء علام السقا يجتمع بمدراء مراكز الإصلاح والتأهيل ويؤكد على تعزيز البرامج التأهيلية للنزلاء

اللواء علام السقا يجتمع بمدراء مراكز الإصلاح والتأهيل ويؤكد على تعزيز البرامج التأهيلية للنزلاء

شفا – اجتمع اللواء علام السقا مدير عام الشرطة، اليوم الخميس، بإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل، …