
الأردن عصي على أوهام نتنياهو وسيبقى سندًا لفلسطين ، بقلم : الدكتورة دانييلا القرعان
عند الحديث عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يمكن وصفه مجرد سياسي تقليدي، بل هو شخصية أيديولوجية توظف الدين لخدمة مشروع توسعي يتجاوز حدود فلسطين التاريخية، ليشمل الأردن ولبنان وسوريا ومصر، مع تركيز خاص على سيناء.
يحاول نتنياهو أن يجعل إسرائيل قوة مهيمنة في الشرق الأوسط، مدفوعًا بهاجس إعادة رسم خريطة المنطقة،ورغبته في ترك بصمة تاريخية تضعه بين “القادة الكبار” في الذاكرة الصهيونية.
ويمكن وصف تصريحاته أنها إنذارًا لدول الطوق، خاصة الأردن مصر، تحديدًا مصر؛ لأن قطاع غزة ومقاومته يشكلان خط الدفاع الأول عن أمنها القومي، وأن فشل الاحتلال في حسم المعركة قد يدفعه للتوسع نحو سيناء.
وعند الحديث عن استخدامه مصطلحات “تاريخية” و”روحانية” فهو بهذه المصطلحات يهدف إلى شحن الداخل الإسرائيلي لمعركة وجودية، وإرسال رسائل ردع مبطنة تؤكد السعي لرسم حدود جديدة على حساب الدول العربية.
وما يمكن استخلاصه من هذه التصريحات تكشف لنا أن إسرائيل غير معنية بالتهدئة أو المفاوضات، بل تستخدمها للتغطية على خطط أكبر تشمل اجتياح غزة وتسريع تهويد المسجد الأقصى وهدمه، وبناء الهيكل، ومن الملاحظ أنها المرة الأولى التي يعلن فيها نتنياهو هذه الرؤية بشكل مباشر.
“مهمة تاريخية وروحانية”، بهذه المصطلحات يريد أن يعبر أن ما صرح به هو “رسالة أجيال” تستكمل ما بدأه جيل والده بتأسيس الدولة، ويؤكد أن مهمة جيله هي ضمان بقائها، رغم “التضحيات الكبيرة” التي تقدمها عائلته…
من جهتها دانت الدولة الأردنية هذه التصريحت التي قال فيها إنه متعلق بما يسمى «رؤية إسرائيل الكبرى»، ولكن لا يمكن اعتبار هذا إلا تصعيدًا استفزازيًا خطيرًا، وتهديدًا مباشرًا لسيادة الدول، وخاصة سيادة الدولة الأردنية والتي ستبقى سيادتها راسخة كرسوخ الجبال، ويعد أيضًا مخالفة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
ونحن بدورنا بجميع أركان الدولة الأردنية وحكومتها ووزراتها ومؤسساتها وأطياف شعبها الاردني العظيم، نرفض رفضًا مطلقًا هذه التصريحات التحريضية، ونشدد أن هذه الأوهام العبثية التي تعكسها تصريحات المسؤولين الإسرائيليين لن تنال من الأردن والدول العربية، ولا تنتقص من الحقوق المشروعة، وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني.
لكن يمكن القول أن هذه التصريحات والممارسات الهمجية تعكس الوضع المأزوم للحكومة الإسرائيلية، ويتزامن مع عزلتها دوليًا في ظل استمرار عدوانها على قطاع غزة والضفة الغربية المحتلتين.
ونشدد مرة أخرى أن هذه الادعاءات والأوهام التي يتبناها متطرفو الحكومة الإسرائيلية ويروجون لها، تشجع على استمرار دوامات العنف والصراع، ويجب أن يتم تبني موقفًا دوليًا واضحًا بإدانتها، والتحذير من عواقبها الوخيمة على أمن المنطقة واستقرارها ومحاسبة مطلقيها.
وبات من الضرورة القصوى على المجتمع الدولي أن يتحرك فورًا لوقف جميع الإجراءات والتصريحات التحريضية الإسرائيلية المهددة لاستقرار المنطقة والأمن والسلم الدوليين. “السيادة الأردنية” عند الحديث عن السيادة الأردنية فإن الأردن يتعامل مع التصعيد العسكري الذي تشهده المنطقة من منطلق حرصه على حماية السيادة الوطنية والأمن الوطني. واليوم جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم يؤكد منذ بداية الأزمة أن الأردن لن يسمح لأي جهة باستخدام أجوائه أو أراضيه في سياق النزاعات أو الأعمال العدائية.
توجيهات جلالة الملك دائمًا ترسّخ أن الأردن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون ساحة للأعمال القتالية بين الأطراف، حيث إن المملكة دولة ذات سيادة، ومهمتها الحفاظ على أمنها واستقرارها، والأردن لن يتسامح أبدًا مع انتهاك سيادته، وأنه سيتخذ الإجراءات المناسبة بما يتماشى مع ممارسات الدول للرد على أي اعتداء أو انتهاك يطال سيادته.
هدفنا واضح، ويتمثل في الحفاظ على الأمن الوطني الأردني، واستقرار المملكة، وسلامة أرواح وممتلكات المواطنين، والأردن اليوم يعمل بكفاءة عالية، واستعداد مستمر؛ بهدف تقليل تأثير هذه الأزمة على مصالح الدولة الأردنية بجميع أبعادها. أن موقف الأردن واضح تمامًا، حيث لا يتدخل في الدفاع عن أي طرف من أطراف الصراع، بل يركز على الحفاظ على أمنه واستقراره، والابتعاد عن الانخراط في النزاعات التي لا تخصه بشكل مباشر.
إن أفضل الطرق المهمة للتعامل مع الأحداث والتصريحات العبثية أن نحدد الرسالة الإعلامية التي تريد الدولة الأردنية توصيلها في مثل هذه الأزمات منذ بدايتها، وتحديد الأخبار التي يتعين التركيز عليها وتسليط الضوء عليها، وتضمن عملا متواصلًا مستمرًا مع المؤسسات الإعلامية المختلفة، وأن تتكاثف مع بعضها للتعامل مع بعض الأخبار المضللة والزائفة والمحرضة التي تهدف إلى النيل من موقف الأردن خلال الأزمة.
ويجب أن يتم تحديد أسلوب للتعامل مع الأحداث التصعيدية التي تشهدها المنطقة إعلاميًا، والتعامل مع البيانات الرسمية التي توجه الجميع بأهمية الاعتماد على المصادر الرسمية للمعلومات، وتجنب تداول الشائعات والأخبار المضللة والزائفة.
من المهم التركيز على موقف الأردن في الحفاظ على سيادة المملكة والأمن الوطني، ونؤكد ضرورة التصدي لأي محاولات لاختراق الأجواء الأردنية أو المساس بأمن المواطنين، وأن حماية أمن المواطنين والسيادة الوطنية يعد واجبًا مقدسًا للدولة الأردنية، وهو ما يجب أن نعمل على تحقيقه باستمرار.