12:00 صباحًا / 14 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

مَن سيضع حدّاً لهذا العبث ؟ بقلم : إيمان مرشد حماد

مَن سيضع حدّاً لهذا العبث؟ بقلم : إيمان مرشد حماد


من التعليم بالعرق والجهد… إلى الشهادات الجاهزة التي تُشترى بالمال

“التعليم قديماً كان يصنع العقول، واليوم يصنع ملفات على الهواتف.”

في زمن تتسارع فيه التقنيات وتتغير فيه أساليب التعليم بوتيرة مذهلة، يبدو أننا خسرنا شيئاً جوهرياً في طريقنا نحو الحداثة. فقد تراجع جوهر العملية التعليمية من غرس المسؤولية وتنمية العقل النقدي، إلى تكريس الاتكالية والاكتفاء بالمعلومة السهلة الجاهزة.


وما كان يُكتسب بالجد والبحث والسهر، صار اليوم يُختصر في صورة ملتقطة أو ملف منقول. وبين الأمس واليوم، مسافة شاسعة بين طالب يطلب العلم ليصنع ذاته، وطالب يسعى وراء شهادة ليتزيّن بها.

التجربة القديمة… مسؤولية وجدية

هل تعلمون أن أساليب التعليم قديماً كانت أكثر جدوى وفاعلية؟ أقول هذا عن تجربة شخصية؛ فقد تلقيت تعليمي وفق الطريقة التقليدية التي كانت تعتمد على ترسيخ المسؤولية الفردية في تحصيل المعرفة.
كنا نُحضّر مسبقاً، وننصت جيداً لشرح المعلمة، ثم نراجع ما تعلمناه، وفي النهاية أعتبر نفسي مسؤولة عمّا حققته من فهم أو قصور. وإن أخفقت، فلا أحد يلوم المعلّمة أو الأهل؛ كانت الدراسة مسؤولية شخصية وجهداً ذاتياً خالصاً.

اليوم… صناعة الاتكالية

أما الآن، فبمجرد دخول الطفل إلى الروضة تبدأ عملية تكريس الاتكالية التعليمية. يُعطى دفتر ملاحظات وكأن ذاكرته عاجزة عن الاحتفاظ بالمعلومة، ويُحرَم من التواصل مع زملائه لتبادل المعرفة كما كنا نفعل قديماً.
ويُقال للتلميذ: لتدرسك أمك، لتحضر لك درسك، لتحفظك الآيات… وحتى الأعمال الفنية، التي كان الغرض منها تنمية الحس الفني وتفريغ طاقته، أصبحت تنجزها الأمهات بدلاً منه.

التعليم الجامعي… من البحث إلى النسخ

درستُ في جامعة لم تعرف يوماً ما يسمى بـ “الكتاب المقرر”. كان أستاذ المادة يحدد الموضوعات المطلوبة، فنذهب إلى المكتبة نبحث في المراجع، فننشأ على علاقة وثيقة بالكتب، ونكتسب حب الاستطلاع.
أما اليوم، فالطالب منذ أول محاضرة يسأل عن كتاب واحد يختصر كل شيء، وربما لا يفتحه أصلاً. نحن كنا نكتب كل ما يقوله الأستاذ، مما نمّى مهارات الكتابة والتهجئة، في اللغات التي كنا ندرس بها
أما الآن، فالهواتف تحل محل القلم، لكن الصور غالباً لا يُعاد النظر إليها، لتتفاقم مشكلات اللغة والكتابة.

ضياع هيبة الأستاذ

حتى قدوة الأستاذ تلاشت مع التعليم عن بُعد؛ بين طالب يفتح المحاضرة ويغادر، وآخر يستمع وهو غارق في سريره، وطالبة تحضر وهي تساعد أمها في المطبخ… ضاعت جدية التعلم.
وعند الامتحان، يعتمد كثيرون على مواقع إلكترونية دون التحقق من تطابق المعلومات مع ما تم تدريسه، فانتشر الكسل والغش حتى أصبحت الشهادة تحمل الطالب، لا العكس.

ثقافة المطالبة بلا جهد

قديماً، كان الطالب يخرج من الامتحان واعياً بأخطائه. أما الآن، فيخرج واثقاً من إجاباته رغم أخطائها، ويعترض على التصحيح قبل حتى أن يراجع مفتاح الإجابة. بل باتت هناك ذهنية غريبة ترى أن من حق الطالب تحديد محتوى الامتحان وطريقة التصحيح!

من الاعتماد على النفس… إلى شراء الألقاب

التعليم القديم صقل مهارات التواصل والتعامل مع كل أنماط الأساتذة، أما الآن، فالطالب يريد أستاذاً “على مقاسه”، وإلا اشتكى للإدارة.
والأسوأ أن الاتكالية وصلت إلى كتابة أبحاث التخرج ورسائل الماجستير والدكتوراه، التي تُشترى أحياناً جاهزة مقابل المال، فيحمل أصحابها ألقاباً لا يستحقونها ويتفاخرون بها على من هم أقدر منهم.

صرخة في وجه المستقبل

لقد كانت للألقاب العلمية قديماً هيبتها ووزنها، تُنال بالجهد والعرق، فيحترم أصحابها أنفسهم ومهنتهم، ويخرّجون أجيالاً من العلماء المبدعين.


أما الآن، فأخشى إن استمر الحال على هذا النحو أن يفقد العلم ومصداقيته، وأن يتبوأ الجاهل مواقع القيادة.
إنها ليست مجرد مقارنة بين الماضي والحاضر، بل تحذير من مستقبل قد يصبح فيه الجهل مُقَنّعاً بغطاء الشهادات. الإصلاح يبدأ بإحياء قيم الجدّ والاجتهاد، ورفض شراء المعرفة أو استبدالها بالمعلومة السريعة الجوفاء.

إيمان مرشد حمّاد

شاهد أيضاً

وزير الداخلية اللواء زياد هب الريح يخرج دورة القيادات المتوسطة الـ28

وزير الداخلية اللواء زياد هب الريح يخرج دورة القيادات المتوسطة الـ28

شفا – خرَّج وزير الداخلية اللواء زياد هب الريح، دورة القيادات المتوسطة 28، التي تعقدها …