8:25 مساءً / 13 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

قراءة وجدانية وتحليل شامل لقصة “الضوء الذي لا ينطفئ” بقلم الكاتبة أسماء إلياس ، بقلم: رانية مرجية

قراءة وجدانية وتحليل شامل لقصة “الضوء الذي لا ينطفئ” بقلم الكاتبة أسماء إلياس ، بقلم: رانية مرجية

حين تقرأ قصة “الضوء الذي لا ينطفئ”، للكاتبة أسماء إلياس، لا تقرأ حكاية عابرة أو نصًا أدبيًا تقليديًا، بل تعبر عتبةً روحية، وتدخل فضاءً تنويريًا قائمًا على الوجع والدهشة، وتغدو شاهدًا على ولادة الأمل من رحم الألم. هذه القصة ليست سردًا فقط، بل احتفاء حقيقي بالإنسان في أرقى تجلياته: الإنسان الذي يُضيء، لا ينطفئ.

من ضوء الطفولة إلى نور الرسالة


القصة تبدأ من تماسٍ وجداني حميم بين الكاتبة وشخصية الطفلة سهيلة، فتاة صغيرة، أربعة عشر ربيعًا، ولكنها تحمل في روحها حكماء العصور. لم ترها الكاتبة كطفلة فقط، بل كمرآة لطفولتها هي، تلك التي كانت تحلم وتتنفس الضوء، وتمضي إلى مدرستها بعطر الأمل. هنا، تتقاطع الذوات: سهيلة تصبح بوصلة داخلية تُنير للكاتبة الطريق نحو ذاتها المنسية، نحو الإنسان الداخلي الذي اختفى تحت ركام الروتين والمآسي المتراكمة.

سهيلة ليست بطلة القصة بقدر ما هي النور الأول الذي أضاء سردية الخلاص والتغيير. ابتسامتها، كلماتها المضيئة، ردودها البسيطة/العميقة — كانت الشرارة التي أطلقت فعلًا تغييرًا حقيقيًا في حياة الكاتبة ومن حولها. الطفلة التي “تغسل روحها بماء السعادة” لم تكن فقط مجازًا بل دعوة روحية للعودة إلى الصفاء، وإلى ما هو جوهري وسط زيف الحياة.

من الذات إلى الجماعة: تحوّل الألم إلى مبادرة


القصة تتجاوز البعد الشخصي نحو بعد جماعي مؤسس، فكما تتبدل الكاتبة داخليًا، تنتقل إلى الخارج لتُترجم هذا التبدّل إلى فعل، إلى مشروع، إلى مؤسسة. وهنا تبرز جمعية “يدًا بيد نبني بيت” لا كفكرة فقط، بل كامتداد روحي لفكرة النور الذي لا ينطفئ. هي صرخة ضد الظلام، ومواجهة للخذلان والظلم عبر مبادرة واعية وجماعية. لا أحد يعمل وحده، بل الجميع في سباق ضد الزمن، ضد الخراب، مع الإنسانية.

الشخصيات الثانوية في النص — المحامي عادل، مدقق الحسابات شاهر، المدير رائد، والعائلة المتبنية للطفلة ميساء — لا تأتي كشخصيات روائية تقليدية، بل كرموز إنسانية حقيقية، تجسّد معاني التعاون، التنظيم، القانون، الرحمة، والمبادرة الواعية.

ميساء: جرح الوطن ووجه الطفولة المسروقة


ميساء ليست مجرد حالة إنسانية ضمن قصص الجمعية، بل لحظة الانفجار الوجداني للنص. طفلة يتيمة، تفترش الأرض وتلتحف السماء. لا أقارب، لا ملاذ، لا حنان… حتى يظهر “وجه يشبه أمي”، وصوت “كصوتها”، فتستسلم لهذه المحبة/الحنين وتذهب طواعية في طريق لا تعرف نهايته، لكنها تؤمن بأنه قد يكون الخلاص.

وهنا، تحقّق الكاتبة اختراقًا شعوريًا غير عادي؛ فالقارئ لا يستطيع إلا أن يبكي داخليًا، يتماهى، يُصاب برعشة. ميساء ليست فقط ضحية، إنها رمز للطفولة العربية المُغتالة، لأطفال المخيمات، الحروب، الأحياء المهمشة… لكنها أيضًا النبتة التي تنمو من بين الأنقاض إذا ما توافرت لها يد تُمسك بها لا لتُرشدها فقط، بل لتُحبها.

العطاء كخلاص داخلي ومجتمعي


القصة لا تُقدّم العطاء كمجرد مساعدة، بل كخلاص. العمل الإنساني في هذه القصة ليس “فضلًا”، بل ضرورة وجودية. لا نمنّ على البؤساء، بل نحن الذين نُشفى عبرهم. كل طفل ننقذه، كل مأوى نوفره، كل لقمة نُقدمها — تُعيد ترميمنا نحن، تُداوي ثقوبنا النفسية.

وهنا تتجلّى فلسفة النص العميقة: أن الإحسان لا ينتمي لمجال الصدقات بل لمجال المعنى. العمل التطوعي في القصة يُعيد للكاتب معنى حياته، ويعيد للمجتمع اتزانه العاطفي، ويُحيل المأساة إلى طاقة بناء.

الضوء الذي لا ينطفئ: ليس عنوانًا بل حالة وجودية


عنوان القصة يلخّص كل شيء، لكنه ليس وصفًا خارجيًا. هو توصيف لحالة داخلية دائمة التجدّد، نور لا تحجبه العتمة، شعلة لا تخمدها الرياح. الضوء هنا هو الإيمان بالخير في زمن الخراب، هو التمسّك بالإنسان وسط غابات التجاهل. لقد استحق النص هذا العنوان، لأن كل سطر فيه يحكي عن ضوء ما: ضوء ابتسامة، ضوء مبادرة، ضوء طفولة، ضوء إنقاذ، ضوء محبة، وضوء خلاص.

قراءة مغايرة: الأنوثة النورانية مقابل المؤسسات الذكورية


في قراءة أخرى، يمكن تأويل هذه القصة بوصفها انتصارًا للأنوثة النورانية، للحس الإنساني غير المنظم، مقابل الذكورة المؤسسية الصلبة التي تعوّدنا رؤيتها في إدارة الجمعيات. أسماء إلياس، عبر الكاتبة والبطلة سهيلة وميساء، تطرح الرحم الكوني كبديل للبيروقراطيات الجامدة. الجمعية وُلدت من قلب، من نظرة، من ابتسامة، من سؤال بسيط، لا من مناقصات وخطط خمسية. هذا وحده كافٍ لنسمي النص نسويًا إنسانيًا من الطراز النادر.

خاتمة:


قصة “الضوء الذي لا ينطفئ” ليست مجرد قصة، بل فعل إيمان. هي أكثر من سرد، هي تجربة تُنير، تلهم، وتحثنا على إعادة اكتشاف الإنسان فينا. الكاتبة أسماء إلياس كتبت هذه القصة ليس لتُبهرنا أدبيًا، بل لتُحرّك فينا تلك الشعلة التي كدنا نطفئها… لكنها ما زالت هناك، تنتظر نسمة حب… أو سهيلة.

شاهد أيضاً

د. ليلى غنام تبحث مع رئيس جامعة بيرزيت إنشاء كلية بمعايير عالمية بدعم من رجل الأعمال حماد الحرازين

د. ليلى غنام تبحث مع رئيس جامعة بيرزيت إنشاء كلية بمعايير عالمية بدعم من رجل الأعمال حماد الحرازين

شفا – استقبلت محافظ رام الله والبيرة د. ليلى غنام، اليوم الأربعاء، رئيس جامعة بيرزيت …