
غزة لا تُحتل مرتين..التاريخ يُعيد دروسه لمن لا يقرأ ، بقلم : بديعة النعيمي
أعلنت حكومة الاحتلال مساء أمس السابع من أغسطس/٢٠٢٥ بقيادة “بنيامين نتنياهو”، بمصادقة من “الكابينت”، عن خطة جديدة لاحتلال مدينة غزة بالكامل ضمن حملة عسكرية موسعة، على أن يتم تسليم إدارتها لاحقا إلى “قوات عربية معتدلة” لا تهدد الكيان المحتل.
هذا القرار الذي يأتي بعد ما يزيد عن٦٦٠ يوم من حرب الإبادة والتجويع على غزة إنما يعبّر عن مأزق سياسي وعسكري غير مسبوق. ففي حين تصوّره حكومة الاحتلال كخطوة استراتيجية لحسم الصراع، تتصاعد التحذيرات من كبار القادة العسكريين الصهاينة السابقين والحاليين، الذين يرونه فشلا سيودي بحياة الرهائن المحتجزين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية ويغرق دولة الاحتلال في مستنقع لا يمكن الخروج منه.
رئيس أركان الجيش الجنرال “إيـال زامير” عارض الخطة علنا، محذرا من أنها “قد تعرض حياة الرهائن للخطر وتدخِل الجيش في حرب استنزاف طويلة، في وقت يعاني فيه هذا الجيش من الإرهاق ونقص الجاهزية”. وأكد أن “اقتحام القطاع المكتظ والذي ما زالت حركة حماس متجذرة في أنفاقه وأحيائه، لن يؤدي إلى نصر حاسم، بل إلى مزيد من الفوضى والضحايا”.
وليس “زامير” وحده من حذر من ذلك، فشخصيات أمنية تسمى بالرفيعة في دولة الاحتلال ،مثل “إيهود باراك” وغيره، تحدثوا عن أن دولتهم “تقف على حافة الهزيمة”، معتبرين أن “استمرار الحملة العسكرية بهذا الشكل لا علاقة له بما يسمى ب “أمن الدولة”، إنما هو نتاج لتمسك “نتنياهو” بالسلطة على حساب الجنود والرهائن”.
والتاريخ يذكر أن تجربة دولة الاحتلال السابقة قبل ٢٠٠٥ كانت سيئة في غزة، وتجربة الاحتلال الأمريكي في العراق كذلك، والاتحاد السوفييتي في أفغانستان، كلّها تؤكد أن الاحتلال الكامل لأرض من قبل قوات معتدية سيؤدي حتما إلى مقاومة طويلة الأمد، وخاصة إذا كان السكان يرون في وجود المحتل سببا رئيسا لمأساتهم وأهل غزة اليوم لا يرون سوى ذلك ويقفون خلف مقاومتهم بصمود.
أما فكرة تسليم غزة لقوات عربية تسميها دولة الاحتلال ب “المعتدلة”، فهي ليست سوى وهم من أوهامها الفاشلة الكثيرة. فمن هي هذه القوى؟ من يضمن أمنها؟ من يمنع أن ينظر إليها كواجهة للاحتلال؟ حتى الأنظمة العربية المطبعة لن تجرؤ على إرسال جيوشها إلى غزة تحت غطاء الاحتلال، خشية أن تكون هذه الخطوة هي القشة التي ستقصم ظهر البعير.
وأما عن مصير الرهائن اليهود والذي كان هدفا أساسيا لدى “نتنياهو” عندما أعلن الحرب على غزة بعد السابع من أكتوبر فإنه سيكون بسبب خطة الاحتلال التي صادق عليها ليلة أمس على المحك، إذ أن أي تحرك عسكري في عمق غزة، حيث يشتبه بوجودهم، سيعرضهم لنيران جيشهم نفسه، ما يثبت أنهم آخر هم “نتنياهو”.
وبحسب تصريحات الجنرال المتقاعد “غادي أيزنكوت”، فإن “الرهان على تحرير الرهائن عبر القتال هو “وهم خطير”، وأي تأخير في التوصل إلى صفقة تبادل يعني المزيد من التعقيد وربما فقدانهم إلى الأبد”.
أما بالنسبة للوضع الإنساني في غزة والذي لا يعني “نتنياهو” وزبانيته فإنه لا يحتمل مزيدا من التصعيد. فأهل غزة محاصرون، مجوعون يقتلون على مدار الأربع والعشرين ساعة ، والآن، تهديد بجولة جديدة من الاحتلال، وذلك كله كفيل بأن يغرق المنطقة في كارثة إنسانية وسياسية أكبر، ويزيد من عزلة دولة المسخ دوليا.
إن القرار الجديد ما هو إلا محاولة يائسة لصناعة “نصر وهمي” أمام جمهور داخلي غاضب وانقسام سياسي متصاعد، ثمنه المزيد من القتل بين صفوف الجنود الصهاينة وهذا ما نتمناه إذا نُفذت خطة الاحتلال، بالإضافة إلى المزيد من الكوارث التي نسأل الله أن يجنبها للقطاع، وكلها أثمان إقليمية ودولية لا يمكن لدولة الاحتلال تحملها طويلا.
ونعود للقول بأن الرهان على أي احتلال أثبت فشله تاريخيا، وغزة ستكون النموذج الأوضح، والنصر للمقاومة بإذن الله تعالى وأهلها الصابرين.