11:14 مساءً / 9 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

حين يعجز المحتل عن إسكات صوت الحياة، يقتل ما تبقّى من كائنات ، بقلم : سالي أبو عياش

بعد السابع من أكتوبر، اتسع عنف المستوطنين ولم تسلم منه أي بقعة في أراضي الضفة الغربية، فحرقوا المنازل والممتلكات الفلسطينية واستولوا على أراضي وقاموا بنصب الخيام فيها في مناطق تُصنّف مناطق (ب) كما حدث في سلفيت، والحوادث كثيرة وتزداد بشكل ممنهج ومتواصل، ففي الأسابيع الأخيرة فقط، شهدنا موجة جرائم متنوعة بحقّ الفلسطينيين، من دهس مواطن في يطا جنوب الخليل، حيث تمّ حجز جثمانه دون أن يُحاسب المعتدي، إلى اعتداءات غير إنسانية طالت الحيوانات كطعن حمار في المغير برام الله، وإطلاق النار على آخر، وقتل خراف في الأغوار بمدينة أريحا، إضافة إلى سرقة المواشي من المناطق التي تُقتحم بشكل متكرر.

اللافت، هو توسيع العنف ليطال الحيوان، كما لو أنّ الظلم الممنهج لا يكتفي بالإنسان فصار يمتد إلى كل كائن حي، فبعد تكرار مشاهد الاعتداء على الحيوانات في فلسطين، هل ستتحرك جمعيات حقوق الحيوان العالمية أم ستكون كمثيلاتها من جمعيات حقوق الإنسان، تقف معاييرها الأخلاقية عند حدود ما يُسمى “المناطق الرمادية” سياسيا؟، إذ لم تكتفِ هذه المنظمات بالصمت تجاه استشهاد ما يزيد عن 60 ألف إنسان، وآلاف الحيوانات في قطاع غزة، بل واصلت تجاهلها المنهجي، لهذا الموت المعلن.

سقوط الأعراف والمواثيق أمام الموت الفلسطيني

في عالم تحكمه انتقائية الأخلاق، يبدو أنّ الحياة الفلسطينية آخر همومه، فلو وثّقت الكاميرات اعتداء مواطن في نيويورك، مثلا، على حمار أعزل، لتحركت الجمعيات وأصدرت بيانات الغضب والاستنكار، وطالبت بمحاسبة قانونية لـ”المجرم”، في ما عائلات فلسطينية تُباد بأكملها والمجتمع الدولي بمنظوماته “الأخلاقية” والحقوقية يتأمّل في موتنا كلوحة فنية على جدار متحف باريسي عتيق.

تتزاحم الأسئلة حول مصير أهل غزة في يوميات الجوع والقتل الممنهج، وفي ظل سياسات الاحتلال الإسرائيلي من ضم واقتلاع في الضفة، وكيف لنا أن نفسّر استمرار هذا العنف المتصل بصمت العالم؟.

يؤكد الواقع المرير أنّ القضية الفلسطينية تسير على وقع الدماء، وحصار الجوع للحياة، وتُهدر كل دعوات السلام والمبادرات الدولية، في مشهد يعيد نفسه بأشكالٍ أكثر قسوة، وقد تُترك فلسطين تنزف وحدها، أمام أنظار العالم، دون أن يهتزّ الضمير الإنساني أو تتحرك الإرادة الدولية لوقف المذبحة. فمنذ النكبة وحتى اليوم، والفلسطيني يُقاوم ويلات الاحتلال.. من حصار، وجوع، وإبادة وتفكيك الجغرافيا، وسط صمت عربي ودولي غير مسبوق.

في غزة، أصبح الموت جوعاً “خبزها” اليومي، والمنظومة الصحية انهارت، والأمراض تفتك بما تبقّى من أبدان هزُلت، كما هزُلت مواقف الأنظمة العربية وأصابتها سكتة الضمير.. وفي الضفة الغربية، تتوسع عمليات الضم والاستيطان، ويتمّ عزل المدن والبلدات عن بعضها البعض بجدران وبوابات حديدية، وتُسرق الأراضي، وتُجتثّ الأشجار، وتُحاصر البلدات حتى لم يعد الفتى الفلسطيني يعرف طريقاً آمناً للمدرسة، أو حتى لشراء الخبز.

وما يُضاعف الخطر هو انكشاف النوايا الصهيونية الرسمية في تصريحات وزراء حكومة الاحتلال عن مشاريع “التهجير الطوعي” للفلسطينيين، وخطة ضم الضفة الغربية بالكامل، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يقود وزير المالية المتطرف عنفاً وهمجية “بتسلئيل سموتريتش”، مشروعاً صريحاً لـتصفية القضية من خلال السيطرة الكاملة على الضفة، وإحلال المستوطنين مكان أهلها، دون مواربة. في الوقت نفسه، يقرّ المجرم “نتنياهو” خطة إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، وفرض إدارة أمنية وعسكرية طويلة الأمد عليه، في إطار منطق الحسم الذي يروّج له الإعلام الإسرائيلي.

العنف “المنسّق” بين الاحتلال و”شباب التلال”

يجري هذا كله بالتوازي مع تنامي عنف المستوطنين، خاصة ما يُعرف بـ”شباب التلال”، الذين يحظون بدعم سياسي وأمني واضح، ويقودون اعتداءات يومية ضد الفلسطينيين في القرى والمزارع، يُحرقون ويقتلون ويطردون، وكأنّهم ذراع ميداني غير رسمي للجيش، يُستخدم لتنفيذ مهام لا تستطيع الدولة المجاهرة بها مباشرة، وعلى رأسها: ترهيب السكان الفلسطينيين، دفعهم للهجرة القسرية، وخلق واقع أمني يشرعن مصادرة الأراضي لاحقا، ويظهر هذا الدور الوظيفي بوضوح في نمط الاعتداءات المتكررة التي تُنفَّذ بحماية كاملة من الجيش الإسرائيلي، وفي كثير من الحالات، بتنسيق مباشر معه. ففي عشرات الحوادث، كان ينسحب جنود الاحتلال من محيط الحدث قبل وقوع الهجوم، أو يتدخّلون بعد تنفيذه دون محاسبة أي من المستوطنين، بل ويوفّرون لهم الحماية أثناء الانسحاب. هذا التواطؤ الأمني ليس تفصيلاً عابرا، بل انعكاساً لشراكة “وطيدة” في إدارة الارهاب الميداني.

وبينما تتبنّى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خطاباً رسمياً يدّعي “رفض الإرهاب”، فإنّها، في الواقع توفّر الغطاء السياسي والقانوني للمستوطنين، عبر استمرار التوسّع الاستيطاني، وتمرير قوانين تعزز سيطرة المستوطنات، وغضّ الطرف عن ممارسات العصابات اليهودية المسلحة. وهكذا، يتحوّل المستوطن إلى أداة ضغط فعالة تُستخدم ضد الوجود الفلسطيني عامة، دون أن تُحمّل الدولة كلفة المواجهة المباشرة مع القانون الدولي.

يشكّل الجهاز القانوني الإسرائيلي أحد الركائز الأساسية التي تسمح للعنف الاستيطاني بالاستمرار والتصاعد دون محاسبة. فرغم توثيق مئات الاعتداءات من قِبل مؤسسات حقوقية إسرائيلية ودولية، تُغلَق غالبية الملفات المقدّمة ضد المستوطنين إما بحجة عدم كفاية الأدلة أو عدم التعرف على الجناة، حتى عندما تكون الهجمات موثّقة بالصوت والصورة أو نُفّذت في وضح النهار.

ربما نسمع قريباً عن قرار عسكري إسرائيلي يفرض على الحمار الحصول على بطاقة ممغنطة، أو تصريح تنقّل أو حتى يخضعه للتفتيش بدعوى نقل الأسمدة المحرّضة على الإرهاب البيئي.

ففي فلسطين، لا يُذبح الإنسان وحده، بل تُذبح كل أشكال الحياة، فكل حيّ ينبض مستهدف، وليس العجب في جبروت القاتل فقط، بل في صمت العالم الذي اعتاد مشهد الجريمة وانهزم أمام طبيعته الإنسانية.

شاهد أيضاً

الرئيس محمود عباس يجري اتصالا هاتفيا مع الرئيس التركي

شفا – أجرى رئيس دولة فلسطين محمود عباس، اليوم السبت، اتصالا هاتفيا مع الرئيس التركي …