6:05 مساءً / 5 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

بين الفقد التعلمي وتصدّع البناء الأكاديمي ، تأملات في فلسفة التعويض الديالكتيكي في سياق التعلم في فلسطين ، بقلم : نسيم قبها

بين الفقد التعلمي وتصدّع البناء الأكاديمي ، تأملات في فلسفة التعويض الديالكتيكي في سياق التعلم في فلسطين ، بقلم : نسيم قبها

لم يكن لي أن أكتب هذه الوجهة لولا فردانية الحالة التعلمية في فلسطين ، إذ إن الفاقد التعليمي التعلمي ، بوصفه ذلك الفراغ المعرفي والمهاري الذي يتسرب من نسيج التجربة التعليمية التعلمية للطالب، ليس مجرد نقص كمي في المحتوى للأسف ، بل هو تشوه بنيوي يهز أركان البناء الأكاديمي الرسمي برمته، هذا البناء الذي يفترض أن يكون عملية ديالكتيكية تراكمية حيث يشكل كل مفهوم جديد حلقة ضرورية في سلسلة الفهم المتصاعد في كل فصل دراسي نحو تكوين عقل نقدي خلاق ومنتج ، في السياق الفلسطيني حيث تتداخل تحديات الاحتلال المتواصلة ، والواقع الاجتماعي الاقتصادي المرهف بالسّوء ، يتحول هذا الفاقد من خطر محتمل نظريا إلى واقع يومي قاس عمليا ، فيعطل صيرورة “التكوين الذاتي” للطالب كمتعلم فاعل وصانع لمعرفته، فغياب الأساسيات المعرفية أو المهارية يشكل ثغرة في جدار “البنية التحتية المعرفية” الضرورية لاكتساب المعارف المركبة الأعلى تربويا ، مما يحول التعلم الجديد إلى بناء على رمال متحركة غير قادر على الصمود أو النمو كما يفترض.

إن طبيعة البناء الأكاديمي تستند إلى مبدأ “التراكمية المعرفية” المتجسدة في فلسفة التربويين البنائيين، حيث المعرفة الجديدة تترسخ فقط عند اندماجها عضويًا مع المعرفة السابقة في شبكة مترابطة من المفاهيم، هنا يتجلى الخطر الوجودي للفاقد التعليمي التعلمي ؛ فهو لا يترك فجوات فقاعية خطرة فحسب، بل يعطل قدرة العقل على إقامة تلك “الجسور الدلالية” الضرورية للربط والاستدلال والتحليل، فيتحول الطالب من باحث عن المعنى إلى متلق سلبي لمعلومات منعزلة، مفتقرة إلى السياق والترابط البنائي ، مما يهدر إمكانية تحقيق “الاستنارة التربوية” التي تنقل المتعلم من التلقين إلى الفهم النقدي، هذا التفكك في البنية المعرفية يضعف “الكفاية الذاتية الأكاديمية” للطالب، فيفقد الثقة في قدرته على التعلم والفهم، مما يغذي حلقة مفرغة من الإحباط والانسحاب المعرفي السلبي.

في الواقع الفلسطيني، تتخذ أسباب الفاقد التعليمي التعلمي أبعادًا وجودية مركبة، فالانقطاع القسري عن المدرسة بسبب الحواجز والعمليات العسكرية أو الإغلاقات، ونقص الموارد الأساسية من كتب وكهرباء وإنترنت في بعض المناطق، والضغوط النفسية الجماعية الناجمة عن العنف الاستعماري المستمر وانعدام الأمن، كلها عوامل تشكل “عوائق أنطولوجية” أمام حق أساسي هو التعليم، هذا بالإضافة إلى تحديات داخل المنظومة كاكتظاظ الصفوف الذي يحد من إمكانية “التفريد التربوي” والتعامل مع حاجات كل طالب، أو ضعف التدريب أحيانًا لبعض المعلمين على استراتيجيات تعويض الفاقد ضمن الصف العادي، مما يعمق الهوة بين الطلاب ويقوض مبدأ “العدالة المعرفية” داخل الفصل الدراسي.

مواجهة هذا التحدي تتطلب رؤية فلسطينية فلسفية تربوية شمولية تنظر إلى الطالب ككائن معرفي متكامل وليس كمستودع معلومات، إنها تستدعي تطبيق مبدأ “التعويض الديالكتيكي” حيث لا يكون تعويض الفاقد مجرد حشو ثغرات، بل عملية إعادة بناء نسقية للبنية المعرفية المهشمة، تتكامل فيها جهود عدة مستويات، على المستوى الجزئي، يحتاج المعلم إلى تشخيص دقيق للفجوات الفردية باستخدام أدوات تقويم تكويني ذكي، ثم تصميم أنشطة تعليمية تعلمية علاجية “بنائية” تراعي أساليب التعلم المختلفة وتدمج تعويض النقص ضمن سياق تعليمي هادف ومشوق، يعيد للطالب إحساسه بالتمكن والكفاءة، على المستوى المتوسط، تعزيز برامج الدعم المدرسي المركزة خارج أوقات الدوام، والاستثمار في برامج “التعليم المساند” أو “التعليم العلاجي” المؤسس على أسس تربوية رصينة، أمر حيوي.

أما على المستوى الكلي، فيجب أن تكون مواجهة الفاقد التعليمي التعلمي أولوية في السياسات التربوية الفلسطينية، تستلزم توفير الموارد الكافية، وتطوير مناهج مرنة قادرة على التكيف مع الظروف الطارئة، والاستثمار في تدريب المعلمين على استراتيجيات التعلم التعويضي والتقنيات الحديثة التي تمكن التعليم عن بعد بفاعلية عند الحاجة، مع العمل الجاد على توفير بيئة مدرسية داعمة نفسيًا واجتماعيًا تخفف من وطأة الضغوط الخارجية. إن استعادة البناء الأكاديمي المنهدم بسبب الفاقد التعليمي التعلمي ليست مجرد عملية تقنية، بل هي فعل مقاومة تربوي يتعلق بحق أساسي في الوجود الإنساني الكامل، إنها محاولة لإعادة نسج “الجوهر المعرفي” للطالب الفلسطيني، وتمكينه من امتلاك أدوات الفهم والتحليل والنقد التي تسمح له ليس فقط باستكمال تعليمه، بل بالمشاركة الفاعلة في بناء مستقبله ومستقبل وطنه بثقة وإرادة صلبة.

  • – نسيم قبها – باحث في الشأن التربوي
    الإئتلاف التربوي الفلسطيني
    الحملة العربية للتعليم

شاهد أيضاً

نقابة الصحفيين الفلسطينيين تفتتح مركز التضامن الإعلامي بمدينة غزة بإشراف الاتحاد الدولي

نقابة الصحفيين الفلسطينيين تفتتح مركز التضامن الإعلامي بمدينة غزة بإشراف الاتحاد الدولي

شفا – افتتحت نقابة الصحفيين الفلسطينيين صباح اليوم الثلاثاء مركز التضامن الإعلامي في مدينة غزة …