
بين العدوان والإرادة الوطنية ، قراءة في موقف الرفيق عمران الخطيب ، بقلم : المهندس غسان جابر
في خضم المشهد الفلسطيني الملتهب، يبرز مقال الرفيق عمران الخطيب كنداء سياسي واضح ومباشر، يعكس القلق الوطني العميق من محاولات تصفية القضية الفلسطينية تحت غطاء العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، والدعم الأمريكي غير المحدود لهذا العدوان. المقال لا يكتفي بتشخيص الواقع، بل يسعى إلى إعادة تموضع البوصلة الوطنية في لحظة مفصلية من تاريخ الصراع مع الاحتلال.
مشهد الغضب العالمي وازدواجية المعايير
يشير الخطيب إلى حراك الطلبة العالمي واحتشاد الآلاف في جامعات العالم، في مشهد أعاد القضية الفلسطينية إلى قلب الضمير الإنساني. هذه الانتفاضة الطلابية الدولية، التي تعيد للأذهان احتجاجات السبعينيات والثمانينيات، تؤكد أن الوعي العالمي، خصوصًا بين الأجيال الشابة، بات يرى إسرائيل كقوة احتلال، لا كدولة ديمقراطية تحارب الإرهاب كما تروج الرواية الرسمية الغربية.
إلا أن الخطيب يلامس أيضًا واقعًا مرًا: الدعم الأمريكي السياسي والعسكري واللوجستي لإسرائيل، واستمرار وضع منظمة التحرير الفلسطينية على “قائمة الإرهاب” الأمريكية، في تناقض فجّ مع القيم الديمقراطية التي تدّعي الولايات المتحدة الدفاع عنها. هذا الموقف الأمريكي، الذي يفتقر للحد الأدنى من العدالة الأخلاقية والسياسية، أصبح عبئًا على مصداقية واشنطن، وعاملاً معزلاً لها على الصعيد الدولي.
التآكل السياسي في إسرائيل وتطرف المشروع الصهيوني
لا يغفل الخطيب الإشارة إلى التحولات الداخلية في إسرائيل، خصوصًا بعد اغتيال إسحق رابين، والذي كان يمثل لحظة أمل ضعيفة نحو حل الدولتين. منذ ذلك الحين، تسارعت مشاريع الضم والاستيطان، وانهارت كل الالتزامات الإسرائيلية باتفاق أوسلو، فيما اختار الكنيست الإسرائيلي بوضوح التحول نحو دولة قومية متطرفة ترفض حتى الاعتراف اللفظي بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة.
وهنا، يبرز مقال الخطيب بوصفه وثيقة سياسية تضع أصبعها على الجرح: إسرائيل لم تعد حتى تتظاهر بالتفاوض، بل باتت تتحرك من منطلقات توراتية وعنصرية، تسعى لضم الضفة الغربية ومسح أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
دعوة إلى التماسك الوطني
الأهم في مقال الخطيب هو النداء الواضح لترك الخلافات الداخلية جانبًا، والتركيز على التحديات الكبرى التي تواجه القضية الفلسطينية. يذكّر بأن منظمة التحرير الفلسطينية، رغم كل ما تعرضت له، ما زالت الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا، وأن الخطر الحقيقي لا يكمن في النقاشات الداخلية، بل في المشروع الصهيوني المتسارع لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني تحت ستار التطبيع أو بحجج “الأمن الإسرائيلي”.
هذه الدعوة تستحق أن تُسمع بجدية في الساحة الفلسطينية المنقسمة، لا سيما في ظل ما يتعرض له قطاع غزة من إبادة جماعية، وتواصل سياسات التطهير العرقي في الضفة الغربية والقدس.
بين الاعتراف بالدولة وتحديات الواقع
يربط الخطيب بين الاعتراف الدولي المتزايد بدولة فلسطين والتغييرات في الرأي العام العالمي، معيدًا التذكير بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس منّة من أحد، بل هو استحقاق قانوني وفقًا لقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية. وهنا، لا بد من فهم أن هذا الزخم السياسي يجب أن يقترن بخطاب وطني موحد، وبرنامج سياسي واضح يحشد الفلسطينيين في الداخل والخارج خلف رؤية واحدة.
نقول : مقال الرفيق عمران الخطيب ليس مجرد مقال رأي، بل وثيقة تحذير وتحفيز في آنٍ واحد. تحذير من مشروع التصفية الجاري على نارٍ حامية، وتحفيز على إعادة بناء الجبهة الوطنية الفلسطينية الموحدة. فاليوم، أمام مشاهد الدم في غزة، والانحياز الأمريكي الفاضح، وتواطؤ بعض الأنظمة، لا يمكن للفلسطينيين أن يبددوا وقتهم في الخلافات الهامشية.
لقد قالها الخطيب بوضوح: نحن أمام محطة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية. فإما أن نكون على مستوى التحدي، أو نترك الآخرين يكتبون نهايتنا… بأيدينا.
- – م. غسان جابر -مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في.
إقرأ أيضا : الإدارة الأمريكية تبدأ بعملية الرد على نتائج قمة نيويورك الداعية للاعتراف بدولة فلسطين، بقلم : عمران الخطيب