12:54 مساءً / 2 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

قراءة وجدانية وتحليل عميق للنص “أريج الزهر (3)” بقلم: رانية مرجية

قراءة وجدانية وتحليل عميق للنص "أريج الزهر (3)" بقلم: رانية مرجية

قراءة وجدانية وتحليل عميق للنص “أريج الزهر (3)” بقلم: رانية مرجية

في هذا النص الشعري النثري المرهف، يبحر الشاعر طه دخل الله عبد الرحمن في عوالم الزهر والعطر والروح، ليتخذ من الأريج ليس فقط استعارة جمالية، بل أيضًا لغة وجودية وصوفية تعبّر عن فلسفةٍ عميقة حول الفناء، العطاء، والخلود.

المعنى خلف العطر: لغة لا تنطقها الشفاه

“أَرِيْجُ الزَّهْرِ لُغَةٌ صَامِتَةٌ”… بهذه العبارة يعلن الشاعر موقفه من اللغة التقليدية، كاشفًا أن هناك ما لا يُقال بالحروف، بل يُشمّ ويُحَسّ ويُرتَجّ له الوجدان. الزهرة لا تتكلم، لكنها تفصح، تُفصح عن حضورها، عن لحظة وجودها العابرة التي تُخلّد في العطر. وهنا لا يمكن أن نغفل البعد الرمزي: فالعطر مرآة للروح، والمسك – كما يُقال في المأثور الصوفي – رائحة الأرواح الطاهرة.

اللحظة الجمالية بين العبور والخلود

يكتب الشاعر: “تُذَكِّرُنَا أَنَّ الجَمَالَ لَحْظَةٌ وَالعِطْرَ ذِكْرَى”.


هذا التأمل يحيلنا إلى فلسفة الجمال الصوفية، حيث لا يُطلب الجمال ليدوم، بل ليُعاش في لحظته. إننا لا نملك الزهرة، ولا نحتفظ بها إلى الأبد، بل نمرّ بها، وننحني لبهائها، ثم نكمل الطريق محمّلين بعطرها كـذكرى وجودية. وكأن الشاعر يضعنا في مواجهة مع حقيقة أننا، مثل الزهرة، نُزهر، ثم نذبل، لكن إن عرفنا كيف نعطي أريجًا صادقًا، فإنّ ذبولنا لا يكون فناء، بل ولادة جديدة في ذاكرة الكون.

الزهرة كرمز للإنسان الكامل

في السطر: “فَمَا أَعْذَبَ أَنْ تَكُونَ زَهْرَةً تُبَاشِرُ الرِّيحَ بِلا خَوْفٍ”، يُقَدِّم الشاعر نموذجًا روحيًا للإنسان: أن تكون مثل الزهرة، عفوية، صادقة، لا تخشى الريح (رمز التقلّب أو الفناء)، ولا تنتظر شكرًا على عطرها (رمز العطاء غير المشروط). هنا، تتجلى ذروة الصوفية الأخلاقية: العطاء المحض، دون رغبة في المقابل. وكأن الزهرة تقول: “أنا وجدتُ لأعبّر عن نفسي، لا لأرضي أحدًا”.

أريج الزهر والقصيدة كفعل مقاومة روحية

في عالم قاسٍ مادي، يصرخ الشاعر بلغة مغموسة في الندى:


“هَذِهِ رُوْحِي، فَخُذْهَا وَاحْفَظْهَا بَيْنَ سُطُورِ الأَبَدِ.”


بهذا النداء يختم النص وكأن الزهرة/الإنسان يقدّم خلاصه الخاص. ليس الموت هو النهاية، بل الفناء من أجل معنى أكبر، من أجل أن تُخلَّد أرواحنا في ذاكرة من يشتموننا بعدنا – لا شتم الجسد، بل شَمّ العطر الذي خلّفناه.

بين الجليل والعالم

لا يغيب عنا توقيع الشاعر: البعنة – الجليل، كأنّه يُثبت الجذور، ويضعنا في سياق فلسطينيّ خاص. الزهرة هنا ليست زهرة مجردة، بل زهرة الجليل، التي تعلمت أن تقاوم العواصف، وتعطر التراب الذي سُلب مرارًا. نص “أريج الزهر” لا يُقرأ فقط كقصيدة وجدانية، بل كبيان وجودي لشاعر فلسطيني يُعلن حقّه في الجمال، في الكتابة، في أن يُشمّ حضوره حتى لو لم يُرَ جسده.

خاتمة

نص “أريج الزهر” عمل شعري فلسفي يمزج بين اللغة والصمت، بين الجمال والفناء، بين العطاء والخلود. فيه نلمس صوت الأرواح الهاربة من قيد الجسد، المُتَّقدة بحبر الأريج.


هذا النص ليس فقط “قطعة أدبية جميلة”، بل مرآةٌ لروحٍ تُتقن الإصغاء لما لا يُقال.

شاهد أيضاً

مستوطنون يقطعون أشجار زيتون في قرية فرخة جنوب سلفيت

شفا – قطع مستوطنون، صباح اليوم السبت، عددا من أشجار الزيتون في قرية فرخة جنوب …