5:13 مساءً / 20 يوليو، 2025
آخر الاخبار

غزة ومعضلة الاحتلال ، من نصر 1967 إلى مأزق طوفان 2023 ، بقلم : بديعة النعيمي

غزة ومعضلة الاحتلال ، من نصر ١٩٦٧ إلى مأزق طوفان ٢٠٢٣ ، بقلم : بديعة النعيمي

جاء في كتاب “إسرائيليون يتكلمون” الذي قامت مؤسسة الدراسات الفلسطينية بترجمته عن نسخته الإنجليزية بإذن من وقفية كارنيغي/بيروت-١٩٧٧، وصف على لسان أحد المشاركين في المحادثات لحرب عام ١٩٦٧ بأنها “أكبر كارثة في تاريخ دولة إسرائيل”. لا بد بأن هذا المشارك باعترافه الآنف الذكر كان يشير إلى زلزال ساحق وعميق ضرب دولة الاحتلال من الداخل. وذلك لأن هذه الحرب، رغم ما بدت عليه من نصر عسكري خاطف وساحق، إلا أنها أطلقت دون قصد، شرارة وعي قومي جديد لدى الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وأزاحت الغطاء عن وهم ما يسمى ب “الدمج الإسرائيلي” للعرب داخل الدولة المزعومة.


لقد تسببت حرب ١٩٦٧ في كشف التصدعات البنيوية في المشروع الصهيوني، وأعادت تعريف العلاقة بين اليهود والعرب، ليس فقط في الأراضي المحتلة، بل داخل حدود ما تسمى ب “إسرائيل” ذاتها.

واليوم وبعد بعد مرور أكثر من خمسة عقود، تخوض الدولة البائدة حربا مدمرة على قطاع غزة، تجاوزت في قسوتها وعدد شهدائها ودمارها، كل ما شهدته الأراضي الفلسطينية منذ نكبة ٤٨.


ورغم وحشية القوة المستخدمة، ورغم دعم الولايات المتحدة الأمريكية والدعم الغربي غير المحدود، إلا أن الاحتلال يواجه في غزة مأزقا أخطر من ذلك الذي واجهه بعد ١٩٦٧. لأن غزة الضيقة بمساحتها، المكتظة بسكانها،المحاصرة والدمرة اقتصاديا ولكن، المسكونة بعقيدة المقاومة كشفت العجز الاستراتيجي الصهيوني.

في غزة اليوم، وتحديدا بعد السابع من أكتوبر تكثفت كل التناقضات التي لم تستطع دولة الاحتلال منذ تأسيسها أن تحسمها، وهي، هل هي دولة احتلال أم ديمقراطية؟ هل يمكن إخضاع الفلسطينيين للأبد دون ثمن؟ وهل يمكن تصفية الذاكرة الوطنية بالقوة المجردة؟ على كل هذا، غزة تجيب، بالرفض.

واللافت أن غزة لم تكتف برفض الاحتلال وحسب، بل فرضت عليه بصمود أهلها وشراسة وبأس مقاومتها، معادلاتها الخاصة التي لا تقوم على التوازن العسكري، بل على كسر هيبته السياسية والمعنوية. فعصابات جنود الاحتلال، الذين دخلوا أرضا يعتقد قادتهم أنها بلا عمق استراتيجي، وجدوا أنفسهم في متاهة من الكمائن والأنفاق والأشباح، في حرب بالإضافة إلى أنها استنزفت واستهلكت الطاقات العسكرية، مزقت أيضا صورة دولة الشتات كجيش لا يُقهر.

وبعد فإذا كانت حرب ١٩٦٧ كارثة لأنها عمّقت وعي الفلسطينيين في الداخل، فإن حرب غزة اليوم كارثة أعمق لأنها وحدت الفلسطينيين أينما وجدوا. فالهوية الوطنية التي نشأت على أنقاض نكسة ٦٧، تجسدت اليوم في مقاومة غزة الشرسة، التي أثرت في الشارع الفلسطيني في الضفة، وفي الشتات، بل حتى في داخل أراضي ٤٨.

هذا التماسك الهوياتي، المتولد عن الألم الجماعي، لا يشكل تهديد لدولة الاحتلال من الخارج فحسب، بل يربك بنيتها الداخلية، ويعيد إشعال الخوف المزمن من الفلسطيني “القريب”، “المندمج ظاهريا”، الذي قد يتحول إلى خصم سياسي وثقافي.

والأهم أن دولة الشتات، في حربها على غزة،بالإضافة إلى مواجهتها لشعب صامد ومقاوم، هي تواجه فشلا أخلاقيا جديدا، فكل جريمة ارتُكبت ولا زالت ترتكب تضاف إلى أرشيف من تاريخ طويل يفضح طبيعة المشروع الصهيوني أمام العالم.

دولة الاحتلال اليوم لم تعد قادرة على تصدير صورتها كضحية، ولا ترويج السردية المستهلكة “الدفاع عن النفس” دون أن تقابلها صور لأطفال فقدوا أطرافهم أو صور لعائلات مسحت بالكامل من السجل المدني، لقد خسرت المعركة الرمزية، حتى قبل أن تُحسم المعركة الميدانية.

وإذا كان البعض في هذه الدولة الزائلة رأى في احتلال الضفة الغربية بعد ١٩٦٧ بداية “ورطة ديمغرافية” تهدد الطابع اليهودي للدولة، فإن احتلال غزة لو حصل، وهو أمر لن يحصل، سيكون أكثر من ورطة، لأنه سيكون انتحارا سياسيا وعسكريا.


إن دخول غزة، بكل تعقيداتها الديمغرافية والجغرافية والعقائدية، لن ينتج عنه إلا مستنقع استنزاف طويل الأمد، وعودة مباشرة إلى سيناريو لبنان والانتفاضات الفلسطينية، ولكن في نسخة أكثر حدة وكلفة. فالاحتلال، الذي فشل في فرض سيطرته على غزة حتى وهو يحاصرها جوا وبرا وبحرا، لا يستطيع أن يحكمها وهو بداخلها.

وغزة، كما قال أحد جنود عصابات الاحتلال الهاربين من خطوط الاشتباك، “تبتلعنا دون أن نراها”. هي ليست فقط أرضا، بل فكرة لا يمكن قصفها. وفي هذا المعنى، فإن كارثة ١٩٦٧ التي أذكت وعي فلسطينيي الداخل، لم تكن إلا تمهيدا لحرب غزة، حيث أصبح الفلسطينيون أكثر وعيا، وأشد تمسكا، أما الدولة الظالمة فإنها كلما غاصت في رمال غزة ، اكتشفت أنها تقاتل خصما لا يموت، وأن كل نصر عسكري مؤقت، لا يخفي هزيمة استراتيجية عميقة.

  • – بديعة النعيمي – كاتبة وروائية وباحثة .

شاهد أيضاً

الاحتلال يخطر بهدم 7 منازل في الخضر جنوب بيت لحم

الاحتلال يخطر بهدم 7 منازل في الخضر جنوب بيت لحم

شفا – أخطرت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، بهدم 7 منازل في بلدة الخضر جنوب …