12:49 مساءً / 5 يوليو، 2025
آخر الاخبار

كلوديا جونز، رائدة النضال النسوي ومفهوم النسوية التقاطعية ، بقلم : بيان صالح

بيان صالح

كلوديا جونز، رائدة النضال النسوي ومفهوم النسوية التقاطعية ، بقلم : بيان صالح

سلسلة – نساء غيرن التاريخ – رقم 4.
كلوديا جونز
1915 – 1964


المقدمة


على مر التاريخ، لعبت النساء أدوارا حاسمة على الصعيدين العالمي والمحلي. ناضلن من أجل الحقوق، شاركن في الحكومات، قدن دولا، أبدعن في مجالات الفنون والعلوم، وألهمن أجيالا متعاقبة. ورغم ذلك، كثيرا ما جرى تهميش قصصهن أو تقليص أثرهن في السرديات التاريخية التي هيمن عليها المنظور الذكوري.


تأتي سلسلة “نساء غيرن التاريخ” لتسط الضوء على نساء بارزات من مختلف السياقات: عالميا، محليا، وإقليميا – من قائدات سياسيات وناشطات، إلى باحثات رائدات وشخصيات ثقافية مؤثرة، تركن بصمات لا تمحى في مجتمعاتهن والعالم.

كلوديا جونز، رائدة النضال النسوي ومفهوم النسوية التقاطعية

النشأة وبدايتها

ولدت كلوديا فيرا كمبر باتش في 21 فبراير 1915 في مدينة بورت أوف سبين، عاصمة ترينيداد، عندما كانت لا تزال مستعمرة بريطانية. وفي عام 1924، هاجرت مع أسرتها إلى مدينة نيويورك، حيث نشأت في حي هارلم الذي كان يعاني من الفقر والتهميش الاجتماعي، لتبدأ هناك رحلتها الطويلة مع النضال ضد العنصرية والتمييز. رغم تفوقها الأكاديمي، اضطرت كلوديا إلى ترك مقاعد الدراسة بسبب إصابتها بمرض السل وظروف عائلتها الاقتصادية الصعبة. غير أن ذلك لم يمنعها من أن تصبح واحدة من أبرز الأصوات اليسارية والنسوية الثورية في القرن العشرين.

النشاط السياسي والفكري

انضمت كلوديا إلى الحزب الشيوعي الأمريكي عام 1936، وكانت من أوائل النساء السود اللواتي برزن في هذا المجال. عملت في الصحافة الحزبية، بدءا من محررة في Weekly Review ووصولا إلى رئيسة تحرير مجلة Spotlight، مدافعة عن قضايا المرأة السوداء والعاملة. ركزت جهودها على الدفاع عن حقوق النساء السود، والنضال ضد الرأسمالية والاستعمار والعنصرية، والدعوة إلى العدالة الاجتماعية وحقوق العمال. من خلال كتاباتها ونشاطها، طرحت كلوديا رؤية جديدة جمعت بين قضايا العرق والنوع الاجتماعي والطبقة الاجتماعية، وهو ما يعرف اليوم بمفهوم النسوية التقاطعية (*). من أبرز وأشهر مقالاتها “إنهاء تجاهل مشكلات المرأة الزنجية”، التي سلطت الضوء على الأبعاد المتعددة للاضطهاد. إلى جانب الصحافة، كتبت قصائد سياسية في صيغة شعرية، لكنها لم تنشر كثيرا، وتعد أعمالا نادرة ذات قيمة أدبية كبيرة.

الترحيل إلى بريطانيا ومواصلة النضال

نتيجة لمواقفها السياسية التقدمية الجريئة، تعرضت كلوديا لقمع واضطهاد في إطار الحملة المكارثية (**)، ما أدى إلى ترحيلها من الولايات المتحدة عام 1955. استقرت في لندن، حيث لم تتوقف عن العمل السياسي والثقافي، بل أصبحت من أبرز الشخصيات في الجالية الكاريبية والبريطانية السوداء. في عام 1958 أسست أول صحيفة إعلامية يسارية كبيرة لمخاطبة الجالية الكاريبية في بريطانيا. وانضمت إلى الحزب الشيوعي البريطاني، وناضلت ضد التمييز في المساكن والتعليم والتوظيف وغيرها ضمن الجاليات الأفرو-كاريبية. ونظمت حملات معادية لقوانين الهجرة التقييدية، ورفعت شعارات ضد التفرقة العنصرية. أسست عام 1958 صحيفة West Indian Gazette and Afro-Asian Caribbean News في بريكستون، أول صحيفة سوداء بريطانية، وكانت منصة سياسية ضد الرأسمالية والإمبريالية والتمييز العنصري، وداعمة للقضايا النسائية وحقوق العمال والمهمشين.


كما نظمت عام 1959 أول كرنفال كاريبي داخلي في لندن، بهدف التصدي للعنصرية والاحتفال بالثقافة الكاريبية. وقد تحول هذا الحدث لاحقا إلى كرنفال نوتينغ هيل الشهير، أحد أكبر الكرنفالات في أوروبا.

رحيلها وإرثها الثوري

توفيت كلوديا جونز في 24 ديسمبر 1964 عن عمر لا يتجاوز 49 عاما، إثر أزمة قلبية بعد سنوات من المعاناة الصحية. تم دفنها في مقبرة هايغيت بلندن، إلى جوار قبر كارل ماركس، في لفتة رمزية تعكس عمق التقدير لإرثها النسوي الثوري والماركسي. تعد كلوديا جونز اليوم واحدة من رائدات الفكر النسوي الأسود، ومن أوائل من قدموا تحليلا تقاطعيا للاضطهاد. كما تعتبر رمزا مهما في النضال من أجل حقوق الجاليات السوداء والمهاجرة، وشخصية ملهمة لكل من يؤمن بالاشتراكية والعدالة الاجتماعية والمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة. وتكريما لها، نصبت لوحات تذكارية، وطبعت طوابع بريدية، وأقيمت محاضرات سنوية باسمها في نقابة الصحفيين البريطانيين.

كتب كتبتها أو تضم نصوصها، أو كتبت حولها

  1. حلم نضالي: الكتابات السياسية لكلوديا جونز
    يضم مجموعة من مقالاتها وخطبها السياسية التي تناولت قضايا النساء السود، والعدالة الطبقية، ومناهضة الاستعمار، والتغيير الاشتراكي.
  2. كلوديا جونز: ما بعد القمع – تأملات ذاتية، مقالات، وقصائد
    كتاب يجمع بين نصوص أدبية وشهادات شخصية، يعكس الجانب الإنساني والتأملي في تجربتها النضالية.
  3. إلى يسار كارل ماركس: الحياة السياسية للشيوعية السوداء كلوديا جونز
    دراسة أكاديمية موسعة للباحثة كارول بويز ديفيس، تسرد السيرة الفكرية والسياسية لجونز وتحلل دورها في تطوير النسوية التقاطعية.
  4. الأممية في الممارسة: كلوديا جونز، التحرر الأسود، والحرب “الوحشية” على كوريا
    كتاب يتناول تحليلاتها المناهضة للرأسمالية و للإمبريالية، ويبرز التزامها بالتضامن الاممي مع حركات التحرر في العالم الثالث.

النسوية التقاطعية

هي مفهوم مهم في الفكر النسوي، ويعنى بتحليل وفهم كيف تتقاطع مختلف أشكال الظلم والتمييز — مثل التمييز الجنسي، والعنصري، والطبقي، والديني، والقدرات الجسدية، والميول الجنسية، والهوية الجندرية — لتشكل تجارب مزدوجة من الاضطهاد لدى الكثير من النساء.


المكارثية


بعد الحرب العالمية الثانية، دخل العالم في مرحلة ما عرف بـ”الحرب الباردة”، بين الولايات المتحدة (الرأسمالية) والاتحاد السوفيتي، وتصاعدت المخاوف في أمريكا من نمو وتطور الشيوعية والأفكار الاشتراكية وانتشارها الواسع في مؤسسات الدولة والمجتمع. وظهرت المكارثية في تلك الفترة في التاريخ الأمريكي، وتميزت بالعداء الشديد للشيوعية واليسار، وخاصة خلال أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن العشرين. وسميت بهذا الاسم نسبة إلى السيناتور جوزيف مكارثي، الذي قاد حملة قمعية ضد من اتهموا بأنهم شيوعيون أو يساريون أو ذوو ميول تقدمية أو متعاطفون مع الشيوعية داخل الولايات المتحدة، واتخذت بحقهم العديد من الإجراءات الاستبدادية والقمعية.

شاهد أيضاً

الاحتلال يقتحم عناتا وضاحية السلام ويخرب منازل وممتلكات المواطنين

شفا – اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم السبت، بلدة عناتا وضاحية السلام، شمال شرق …