9:50 مساءً / 22 يونيو، 2025
آخر الاخبار

إيران .. نهاية لعبة الانتظار الطويل ، بقلم : الصحفي سامح الجدي

إيران .. نهاية لعبة الانتظار الطويل ، بقلم : الصحفي سامح الجدي

لم تكن سياسة إيران مجرد صمتٍ سياسي أو تراجعٍ تكتيكي، بل كانت أشبه بـ لعبة الانتظار الطويل، التي تُمارسها العقول الباردة، متى ما رأت أن الوقت حليفها، وأن العاصفة تمرّ، وأن الغد سيمنحها ما لم تستطع انتزاعه اليوم. سنينٌ طويلة بنت فيها طهران ملامح حضورها، لا بصخب الحرب، بل بحنكة التمدد، وبناء النفوذ، وتثبيت الأذرع في الجغرافيا المشتعلة.

لكن اللعبة التي ظنتها طهران آمنة، انقلبت عليها. الضربات الكبرى لم تترك مجالًا للإنكار، ولم تُبقِ متسعًا لإعادة تدوير الخطاب القديم. اليوم، سقطت أقنعة التريّث، وسُمِع دويُّ الانكشاف في مراكز القرار.

ها هي إيران تُدفَع الآن إلى زاوية ضيّقة، لم يسبق أن وجدت نفسها فيها بهذا الوضوح. أمامها خياران لا ثالث لهما: إما الاندفاع الكامل نحو المواجهة الكبرى، بكل ما راكمته من قوة وعدّة، متحدية العالم والمنطق معًا .. أو الانصياع التام لشروط الأعداء، وإعلان الهزيمة في أبسط صورها وأكثرها إذلالًا.

أما أي محاولة لابتكار “خيار ثالث”، أو العودة إلى خطاب ضبط النفس والمراوغة، فلا تعني سوى أمرٍ واحد: تأجيل الإقرار بالهزيمة، لا أكثر. فقد ولّى زمن كسب الوقت، وانتهت مرحلة اللعب على الهوامش، ولم تَعُد العواصم تتسع لمن يختبئون خلف ظلّهم.

إيران، اليوم، ليست أمام معركة حدود أو وكلاء أو بيانات نارية. إنها في امتحان الوجود. والخروج من هذا الامتحان ليس مضمونًا لا بالقوة ولا بالعقل، بل بقرارٍ سيكون ثمنه إمّا المجد .. أو العدم.

وهكذا، لا يبقى للتاريخ سوى أن يُحدّق طويلاً في هذه اللحظة، ليرى أيّ طريقٍ ستختارها إيران .. في نهاية لعبةٍ طالت أكثر مما ينبغي.

فالتاريخ لا يرحم أولئك الذين أضاعوا فرص الحسم، ولا يُجامل الدول التي فضّلت التردد على القرار. لقد جرّبت إيران أن تُمسك العصا من المنتصف، أن ترقص على حبل التوازن بين الاشتباك والتجنّب، أن تُدير حروبًا بلا جيوش، وصراعات بلا إعلان، وأن تبني نفوذًا على أنقاض الآخرين دون أن تدفع الثمن مباشرة.

لكن لحظة الحقيقة لا تعرف المواربة. اللحظة التي يطرق فيها الخصم أبوابك لا تُشبه أبدًا اللحظة التي ترسل فيها طائراتك المسيّرة عبر الحدود، أو تدعم ميليشيا هنا، وتفاوض في الخفاء هناك.

في هذه اللحظة، يصبح كل شيء عاريًا: القدرات، التحالفات، المواقف، وحتى الشعارات.

فإن اختارت طهران التصعيد الشامل، فهي بذلك تدخل نفقًا مفتوحًا على الاحتمالات الكبرى، نفقًا قد يجعلها تدفع أثمانًا تاريخية من دمها واقتصادها ووحدتها الجغرافية والسياسية. وإن اختارت الرضوخ، فستكسر الهيبة التي بنتها بين أنصارها وخصومها على السواء، وستفقد رصيدها الرمزي في وجدان من صدّقوا أنها “قلعة الصمود الأخيرة”.

أما التعلق بالأوهام القديمة، ومحاولة خلط الأوراق من جديد، فلن يمنحها سوى مزيد من الوقت المسموم .. وقتٌ لا يشتري نصرًا، بل يُجهّز لهزيمة أبطأ.

العالم لا ينتظر إيران، ولا يقف عند بوابتها ليسمع توضيحاتها. فالزمن الآن زمن الحسم. والمعركة معقدة، نعم، لكن خطوطها النهائية باتت مرئية. والخيار صفر .. لم يعد مجرد حالة طارئة، بل أصبح عنوانًا لواقع جديد كُتب بحبر النار والرصاص.

إنها لحظة السقوط الحرّ أو الصعود المفزع، ولا شيء بينهما سوى الحقيقة المرّة: لعبة الانتظار الطويل .. انتهت.

شاهد أيضاً

الاحتلال يغلق حاجز جبع العسكري شمال القدس

الاحتلال يغلق حاجز جبع العسكري شمال القدس

شفا – أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الأحد، حاجز جبع العسكري شمال مدينة القدس، …