
نحو دولة رقمية: اعتماد منظومة الدفع الإلكتروني “E-sadad” رسمياً في فلسطين ، بقلم د. عمر السلخي
في خطوة نوعية تعكس رؤية الحكومة الفلسطينية لتحديث القطاع العام وتعزيز البنية التحتية الرقمية، أعلن مجلس الوزراء الفلسطيني بتاريخ 27 أيار 2025 عن اعتماد منظومة (E-sadad) كمنظومة دفع وطنية رسمية. يأتي هذا القرار في إطار استراتيجيات التحول الرقمي الشامل، وضمن جهود إصلاحية تهدف إلى رفع كفاءة الخدمات الحكومية، وتعزيز الشفافية، وتحقيق العدالة المالية لكافة شرائح المجتمع.
مضمون القرار الحكومي
صدر القرار ضمن جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في مدينة رام الله، والتي ناقشت توصيات اللجنة الوزارية للتحول الرقمي، حيث تضمن القرار أربعة محاور رئيسية:
اعتماد رسمي لمنظومة E-sadad باعتبارها القناة الأساسية لتسديد الرسوم والبدلات الحكومية، وتحويل التعامل المالي في المؤسسات الرسمية إلى تعامل رقمي مؤتمت.
تكليف الوزارات والمؤسسات الحكومية كافة باستكمال عملية الربط مع المنظومة الإلكترونية لخدمات الدفع، على أن تُنجز هذه العملية بشكل كامل في موعد أقصاه 31/8/2025.
دعوة القطاع الخاص الفلسطيني إلى الاستفادة من هذه القنوات الإلكترونية الآمنة والموثوقة التي تشرف عليها سلطة النقد الفلسطينية، باعتبارها خطوة نحو تسهيل بيئة الأعمال وتشجيع الاقتصاد الرقمي.
إلزام الدوائر الرسمية باستكمال رقمنة خدماتها، وربطها بمنظومة الحكومة الإلكترونية، كشرط أساسي لإنهاء العام الجاري 2025 بخدمات رقمية متكاملة.
شمولية القرار وتوسعه في القطاعات الحيوية
ما يميز هذا القرار أنه لم يقتصر على توجيهات عامة، بل خصّص مهام واضحة لجهات رئيسية في الدولة لها تماس مباشر مع المواطنين:
هيئة البترول العامة كُلّفت باتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير أجهزة نقاط البيع الإلكترونية (POS) في محطات الوقود، مما يعني الانتقال من الدفع النقدي إلى الدفع الإلكتروني عند تعبئة الوقود، وهو ما سيعزز كفاءة التحصيل ويقلل التلاعبات المالية أو الأخطاء المحاسبية.
سلطة الأراضي أُسند إليها استخدام الدفع الإلكتروني في تحصيل الرسوم والبدلات المتعلقة بالأملاك غير المنقولة، ما سيسهل الإجراءات العقارية ويحفظ حقوق الأطراف المختلفة من خلال أرشفة إلكترونية لكل المعاملات.
الأبعاد الاستراتيجية للقرار
هذا القرار يحمل في طيّاته أبعادًا استراتيجية على عدة مستويات:
- تعزيز الشفافية والمساءلة
من خلال التحول إلى نظام دفع إلكتروني رسمي، ستُسجَّل كافة المعاملات المالية في قاعدة بيانات مؤمّنة، ما يقلل فرص الفساد الإداري أو التلاعب في التحصيل، ويمكّن ديوان الرقابة المالية وسلطة النقد من مراقبة الأداء المالي للمؤسسات بدقة.
- تسهيل حياة المواطنين
بدلاً من الوقوف في طوابير طويلة أمام الدوائر الحكومية، سيتمكن المواطن من تسديد الرسوم إلكترونيًا من خلال البنوك أو المحافظ الرقمية أو نقاط البيع، ما يوفر الوقت والجهد ويقلل الازدحام ويواكب التوجهات العالمية.
- تمكين الاقتصاد الوطني
التحول إلى بيئة مالية رقمية يفتح المجال أمام مزيد من الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المالية (Fintech)، ويشجع الشركات الناشئة على تطوير تطبيقات ومنصات دفع، ما يسهم في خلق فرص عمل وتحريك عجلة الاقتصاد.
- الحد من التعامل النقدي الورقي
في ظل تحديات أمنية واقتصادية، خصوصًا في مناطق مثل محافظة سلفيت المحاصرة، فإن تقليل الاعتماد على الكاش يُعتبر خطوة ضرورية لتحسين الأداء المالي المحلي وضمان استمرارية الخدمات حتى في حالات الطوارئ.
التحديات التي تواجه التطبيق
رغم إيجابية القرار، إلا أن تنفيذه يتطلب التغلب على مجموعة من التحديات الواقعية، منها:
نقص البنية التحتية التكنولوجية في بعض المناطق، خصوصًا القرى والمناطق المصنفة (ج)، حيث تعاني من ضعف التغطية الشبكية أو غياب الخدمات المصرفية.
الوعي الرقمي الضعيف لدى شريحة من المواطنين، خاصة كبار السن أو أصحاب الحرف التقليدية، ما يتطلب تنفيذ حملات توعية واسعة لضمان تقبّل المجتمع لهذا التحول.
تدريب وتأهيل الكادر الحكومي على استخدام الأنظمة الإلكترونية بفعالية، لضمان تقديم الخدمات بسرعة وكفاءة.
أمن المعلومات وحماية الخصوصية، حيث يستوجب التحول الرقمي بنية تقنية قوية لحماية بيانات المواطنين من الاختراق أو التسريب.
خطوات تالية ضرورية
لضمان نجاح هذا القرار التاريخي، من المهم أن تتخذ الحكومة الخطوات التالية:
إطلاق حملة وطنية توعوية حول آلية استخدام الدفع الإلكتروني وفوائده، تشمل الإعلام التقليدي والرقمي.
إشراك مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص في تطبيق النظام ودعمه تقنيًا.
إصدار دليل خدمات إلكتروني موحد يشرح لكل مواطن كيف يمكنه الوصول إلى الخدمة، تسديد رسومها، ومتابعة معاملته رقمياً.
إطلاق حوافز لتشجيع القطاع الخاص (خاصة محطات الوقود، العيادات، المدارس، الجمعيات) على استخدام وسائل الدفع الإلكتروني.
فلسطين الرقمية ليست حلماً
يمثّل قرار اعتماد منظومة الدفع الإلكتروني “E-sadad” علامة فارقة في مسار بناء دولة فلسطينية عصرية ذات مؤسسات رقمية فعالة. هو ليس فقط قرارًا تقنيًا، بل هو جزء من رؤية وطنية للتحرر من البيروقراطية الكلاسيكية، والتوجه نحو خدمات حكومية شفافة وسريعة تتماشى مع تطلعات المواطن الفلسطيني، وتعزز صموده في وجه الاحتلال والتحديات الاقتصادية والسياسية.