
في الحلم كانت فلسطين تمشي على قدميها ، بقلم : محمد علوش
في الحلم، لم تكن فلسطين خريطة على ورق أصفر، ولا ظلاً يرتجف في نشرة أخبار، كانت امرأةً تمشي على قدميها، حافيةً كأن الأرض لا تؤذي أبناءها، ترتدي ثوباً مطرزاً بنجومٍ ضاعت من سماء الآخرين، وتلفّ رأسها بحنّاء الوقت.
كانت تمضي عبر الحقول، فتنتصب السنابل احتراماً، تمرّ في الأزقة القديمة، فينهض الحجر، يحني رأسه، ثم يُقبّل خطواتها، كلما عبرت بيتاً مهدوماً، تنبت في جدرانه زهرة برية، وكلما مرّت على مقبرة، ضحك الشهيد في نومته وقال: لم أمت، كنت أحرس الحلم فقط.
في الحلم، لم تكن الحدود أكثر من أوهام رسمها غريبٌ بخطٍ مرتعش، الجنود كانوا من ورق، والبنادق كانت تنبت فيها أزهار، والجدار كان يتقشر كجلد ميت، خلفه شجرة زيتون تنادي الأطفال بأسمائهم الأولى، دون خوفٍ أو لغةٍ منكسرة.
رأيت حيفا تمشط شعرها الطويل عند البحر، ورأيت يافا تبيع البرتقال وتضحك كأنها لم تُجلد من قبل، ورأيت القدس تفتح نافذتها للصبح وتقول: “أنا لست وحدي”، وكانت غزة تخرج من بين الركام، تمسح وجهها بترابها، وتقول: أنا ما زلت هنا… ما زلت أكتب اسم الله على جدراني بصبر.
في الحلم، لم يكن الفلسطيني لاجئاً، بل نبياً تائهاً في الصحراء، كلما أُغلق باب، فتحه بنداءٍ من قلبه، وكلما ضاق عليه المكان، وسِعته الأرض لأنه لا يحمل فيها إلا حنيناً وحقاً.
لكنني استيقظت، فعدت إلى النشرات، والخرائط، والحصار، ورأيت فلسطين تعود إلى الورق، لكنّها ابتسمت لي في الظل، وهمست: لا تقلق… أنا لا أموت في اليقظة، فقط أتمدّد أكثر في الحلم.
- – محمد علوش – شاعر وكاتب فلسطيني