
(يقظَةُ الكَيْنونَة) ، بقلم : دالية أنيس أبو زهرة
الوعيُ لَيس تَرفًا فِكريّا، بَل ضَرورَةٌ لِلبقاءِ بَشريّاً كضرورَةٍ وُجوديّةٍ.
تِلكَ اللَّحظَةُ الَّتي يَتوقَّفُ فيها الزَّمَنُ داخِلَكَ، لا لِشَيءٍ سِوى لِتُدرِكَ أَنَّكَ كُنتَ تَمضِي مُنذُ سَنَواتٍ، دونَ أَن تَنتَبِهَ: مَن كانَ يَقودُكَ حَقًّا؟!
إِنَّهُ العَودَةُ إِلى الأَصلِ، إِلى النُّقطَةِ الأُولى، حَيثُ لا ضَجيجَ، لا تَبريرَ، لا أَقنِعَةَ.
صَفاءٌ لا يُرى، لا يُلمَس، لَكِنَّهُ يَعكِسُ كُلَّ شَيءٍ بِصِدقٍ. كَالماءِ النَّقِيِّ، لا لَونَ لَهُ، وَلَكِنَّهُ إِذا انْسَكَبَ عَلى قَلبِكَ، كَشَفَ لَكَ ما كُنتَ تَغُضُّ البَصَرَ عَنهُ.
لا يَصرُخُ، لا يَفرِضُ، لا يَتَصَنَّعُ.
هُوَ البَصيرَةُ الَّتي تَرى ما وَراءَ المَألوفِ، وَالهُدوءُ الَّذي يَكشِفُ الزَّيفَ في ضَجيجِ العالَمِ.
أَن تَرى الأُمورَ كَما هِيَ، لا كَما حَلِمتَ، وَلا كَما خُيِّلَ إِلَيكَ.
هُوَ الشَّجاعَةُ حينَ يَهرُبُ الآخَرونَ، وَالبوصَلَةُ الَّتي تُشيرُ إِلى الدّاخِلِ في زَمنٍ لا يَرى إِلّا الخارِجَ.
أَن تَشعُرَ بِثِقلِ كُلّ قَرارٍ، وَبِوَزنِ كُلِّ كَلِمَةٍ، وَبِأَنَّ الخُطواتِ الصَّغيرَةَ قَد تُغيّرُ المَسارَ، وَبِأنَّ الصَّمتَ أحياناً أَبلَغُ مِن أَلفِ قَولٍ.
لا يَعِدُكَ بِسُهولَةٍ، بَل يُقَدِّمُ لَكَ صِدقاً لا يُهادِنُ.
لا يَنتَزِعُ الأَمَلَ، لَكِنَّهُ يُعَرِّيهِ مِنَ الوَهمِ لِيَمنَحَكَ جَوهَرَهُ.
لا يُعطِيكَ الإِجابَاتِ، وَلَكِنَّهُ يَفتَحُ أَمامَكَ بابَ الأَسئِلَةِ الصّافِيَةِ.
هُوَ يَقَظَةٌ لا تَهدَأُ، وَنُورٌ لا يَحتَرِقُ، وَلَكِنَّهُ يُضِيءُ ما عَتِمَ داخِلَكَ.
أَن تَعيشَ بِكُلِّ ما فيكَ، لا أَن تَتواجَدَ فَقَط.
أَن تَختارَ، لا أَن تُساقَ.
أَن تَكونَ، لا أَن تُستَهلَكَ.
إِنَّهُ الحَياةُ حينَ تُعاشُ بِصِدقٍ، لا بِآلِيَّةِ العابِرينَ.
هُوَ النَّبضُ الأَعمَقُ خَلفَ كُلِّ لَحظَةٍ، وَالإِدراكُ الَّذي لا يَحتاجُ أَن يُقالَ هو يقظَةُ الكَيْنونة، لِأَنَّهُ يُشعَرُ… وَيُرى
دالية أنيس أبو زهرة
نادي أحباب اللغة العربية الفلسطيني