11:54 صباحًا / 19 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

من التوجيهي إلى الإنتاج ، التعليم المهني والتقني أفق المستقبل لا خياراً ثانياً ، بقلم : د. عماد سالم

من التوجيهي إلى الإنتاج ، التعليم المهني والتقني أفق المستقبل لا خياراً ثانياً ، بقلم : د. عماد سالم

من التوجيهي إلى الإنتاج : التعليم المهني والتقني أفق المستقبل لا خياراً ثانياً ، بقلم : د. عماد سالم

موسم التوجيهي: لحظة حاسمة في حياة الشباب


مع اقتراب موسم “التوجيهي”، تشتد الاستعدادات، وتزداد التوقعات، وتصبح لحظة النتيجة حدثاً مصيرياً يحدد مسار آلاف الشباب الفلسطينيين. الجميع يتحدث عن المعدل، والشهادة، والقبول الجامعي، وكأن النجاح الحقيقي هو تلك الورقة.


ففي هذا الموسم تستنفر البيوت، وتُعلّق الأمنيات، وتُحبس الأنفاس… وكأننا على موعد مع مصير يقرره رقم في شهادة، أو سطر في كشف علامات.


لكن الحقيقة، وبكل وضوح ومسؤولية:

  • المستقبل لا تصنعه الامتحانات، بل تصنعه القرارات.
    والقرارات الواعية تبدأ من سؤال بسيط وعميق:
    هل الطريق الجامعي التقليدي هو الطريق الوحيد؟
    وهل لا تزال الشهادة وحدها هي مفتاح الحياة؟
    أم أن الزمن تغيّر، والواقع يفرض مسارات جديدة؟
    ولكن هل النجاح حقاً محصور في المعدل والجامعة؟ هل واقع سوق العمل الفلسطيني يرحب بكل هذه الأعداد الضخمة من خريجي الجامعات؟ أم أن هناك حقيقة أخرى بحاجة لأن تُسمع وتُدرس؟


الواقع الراهن: تحديات سوق العمل وتفاوت الفرص


في فلسطين، يواجه خريجو الثانوية العامة واقعاً معقداً:
⦁ عشرات الآلاف يتوجهون سنويًا للجامعات، في تخصصات مشبعة ولا توفر فرص عمل كافية.
⦁ سوق العمل يعاني من نقص حاد في الكوادر المهنية والتقنية المؤهلة، وهو جانب مهمل رغم أهميته.
⦁ نسبة البطالة مرتفعة بين خريجي الجامعات، بينما هناك فرص وظيفية متاحة في القطاع المهني والتقني، لكنها غير معروفة أو مهملة.


حين يتحول المعدل إلى قيد وليس فرصة


المعادلة انقلبت:


ما كان يُعتبر خياراً ثانياً أصبح الطريق الأذكى والأسرع والأكثر واقعية نحو العمل والإنتاج.
وما كان يُعد طريق المجد، بات طريقاً للبطالة، أو الغربة، أو انتظار الوظيفة التي قد لا تأتي أبدًا.
التعليم المهني والتقني: خيار استراتيجي لبناء الاقتصاد.


التعليم المهني والتقني ليس مجرد تعليم «بديل» أو خيار «ثانوي»، بل هو عماد قوي لبناء اقتصاد منتج ومستدام.
في ظل التحديات الاقتصادية والبيئية التي تواجه فلسطين، وفي ظل التطورات التقنية المتسارعة، بات من الضروري إعادة النظر في توجهات الشباب نحو التعليم المهني والتقني.


هذا النوع من التعليم يزود الطلاب بمهارات عملية تؤهلهم للعمل في مجالات حيوية كالطاقة المتجددة، الإلكترونيات، الميكاترونيكس، تكنولوجيا المعلومات، الزراعة الذكية، وغيرها.


آن الأوان لكسر القوالب الاجتماعية التقليدية

  • كم من شاب أراد تعلم النجارة أو الكهرباء أو التصميم الرقمي، فوجد من يسخر منه؟
  • كم من فتاة عشقت الحدادة أو إصلاح الهواتف أو الزراعة الذكية، فواجهت عبارات تحجيم وقوالب قديمة؟
    كأننا لا نزال نسجن في تقاليد اجتماعية عفا عليها الزمن، ونقيم المستقبل بالألقاب لا بالقدرات.


لنقلها بصوت عالٍ:
ليس هناك عمل صغير، ولا مهنة بلا قيمة.


المستقبل ليس لمن يحمل “لقباً”، بل لمن يملك “مهارة” وحلاً حقيقياً.
التساؤل المحوري: هل الطريق الجامعي هو الطريق الوحيد؟


يبدأ التفكير الواعي بسؤال بسيط وعميق:


هل الطريق الجامعي التقليدي هو الخيار الوحيد؟ وهل الشهادة الجامعية وحدها هي مفتاح الحياة؟ أم أن الزمن قد تغيّر والواقع يفرض علينا أن نبحث عن مسارات جديدة وأفق مختلف؟
في فلسطين، يتجه عشرات الآلاف من خريجي الثانوية العامة سنويًا إلى الجامعات، في تخصصات بات بعضها مشبعًا حد الاختناق، بينما يقف سوق العمل عاجزًا عن استيعابهم.


في المقابل، تتعطّش قطاعاتنا الاقتصادية والصناعية والخدمية إلى فنيين، وتقنيين، ومهنيين مهرة لا نجدهم بسهولة. ليس لأن الشباب لا يريدون، بل لأنهم لم يُوجّهوا، ولم يُحتَرم خيارهم، ولم تُبْن لهم جسور ثقة نحو مسارات المهارة.


من التوجيهي إلى الإنتاج: أهمية المهارة والابتكار


⦁ كثير من خريجي التوجيهي ينظرون إلى المعدل كقيد يحول دون الخيارات المهنية، ويجعله معياراً وحيداً لقياس النجاح.
⦁ في المقابل، نجد في غزة والضفة شباباً يثبتون أن المهارة والمعرفة العملية هما مفتاح الحياة، لا فقط الشهادة الأكاديمية.
⦁ إعادة إعمار غزة وتطوير المشاريع الصناعية والخدمية تتطلب فنيين مهرة يستطيعون ترجمة التعليم إلى إنتاج حقيقي.

  • خطوات فعلية ومبادرات نوعية في التعليم المهني والتقني
    خلال السنوات الأخيرة، عملت الهيئة الوطنية للتعليم والتدريب المهني والتقني على:
    ⦁ تطوير برامج جديدة في مجالات المستقبل مثل الأمن السيبراني، الطاقة المتجددة، الروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد. والميكاترونيكس.
    ⦁ تعزيز نظام التعليم الثنائي ، الذي يجمع بين الدراسة في المعاهد والتدريب العملي في أماكن العمل، لتعزيز جاهزية الخريجين.
    ⦁ إطلاق برامج تدريب تعاوني تُمكّن الطلبة من تجربة سوق العمل الفعلية أثناء الدراسة.
    ⦁ إنشاء مراكز مهنية متخصصة بالشراكة مع القطاع الخاص والدولي لتلبية متطلبات السوق.
    ⦁ توفير منح ودعم مالي للطلاب والخريجين، وتحفيز ريادة الأعمال بينهم.
    ⦁ تكوين مجالس مهارات قطاعية تضم خبراء ورجال أعمال لتوجيه العملية التعليمية وربطها بالاحتياجات الفعلية.
    ⦁ تطوير منصات رقمية للتدريب عن بعد تصل حتى المناطق النائية.


ماذا سأحقق من التعليم المهني؟


✔ فرصة العمل فور التخرج
✔ إمكانية تأسيس مشروعك الخاص
✔ إمكانية إكمال الدراسة الجامعية لاحقًا
✔ التقديم للعمل في السوقين المحلي والدولي
✔ استعادة الثقة بالنفس والاندماج الفاعل في بناء اقتصاد منتج
توجيه رسالة للأهالي والمجتمع
يجب أن نتوقف عن النظر إلى التعليم المهني والتقني كخيار «ثانوي» أو «احتياطي».
الشهادة الجامعية لم تعد الضمان الوحيد للمستقبل، ولا يجوز أن نحكم على قدرات الشباب بناءً على المعدل فقط.
الشباب بحاجة إلى دعمنا وتشجيعنا لاختيار المسارات التي تناسب قدراتهم وميولهم، وليس مجرد تسليمهم إلى الجامعة كخيار وحيد.
أيتها الأسرة الكريمة، في موسم التوجيهي، لنتوقّف لحظة، ونسأل أنفسنا: هل نريد لأبنائنا أن يركضوا خلف وهم، أم أن نمنحهم بوصلة حقيقية؟ المجتمع يتغير. الوظائف تتغير. وحتى تعريف “النجاح” يتغير. فلنكن شجعانًا بما يكفي لنكسر النمط، وحكماء بما يكفي لنأخذ قرارات لا تليق فقط بماضينا… بل بمستقبل أبنائنا.
دعوة للشباب: فكر مهنياً، قرر تقنياً
لديك فرصة:
⦁ للعمل فور التخرج بخبرات عملية.
⦁ لبدء مشروعك الخاص.
⦁ لإكمال الدراسة الجامعية متى ما رغبت.
⦁ لتلبية احتياجات سوق العمل المحلي والدولي.
⦁ لاستعادة ثقتك بنفسك وأن تكون جزءًا فاعلًا في بناء الوطن.
كلمة من القلب إلى القلب
أيها الطالب، أيتها الأسرة،
في موسم التوجيهي، لنتوقف لحظة ونسأل:
هل نريد أن نركض خلف وهم، أم أن نمنح أبنائنا بوصلة حقيقية؟
المجتمع يتغير، والوظائف تتغير، وتعريف “النجاح” يتغير.
فلنكن شجعاناً لنكسر النمط، وحكماء لنأخذ قرارات لا تليق فقط بماضينا، بل بمستقبل أبنائنا.
سبع رسائل في موسم التوجيهي
⦁ التوجيهي محطة لاكتشاف الذات، ليس نهاية الطريق.
⦁ احترم ميولك، ولا تجعل قراراتك رهينة لضغط المجتمع.
⦁ المهارة تسبق الشهادة في عالم اليوم.
⦁ الاقتصاد الفلسطيني يحتاج فنيين ومهنيين في كل المجالات.
⦁ غزة والضفة بحاجة لشباب منتج، لا فقط دارس جامعي.
⦁ اختر ما تحب، وستجد طريقك للنجاح.
⦁ وطنك بحاجة لمن يبنيه بأيدٍ عاملة وعقول مبدعة.
في الختام مستقبل أبنائنا مسؤوليتنا جميعًا
في موسم التوجيهي، دعونا لا نركض خلف وهم المعدل، ولا نخدع أنفسنا أن شهادة جامعية وحدها ستضمن النجاح.


المجتمع يتغير، والاقتصاد يتطلب مهارات جديدة، وتعريف النجاح يتوسع.
لنكن شجعانًا في تشجيع شبابنا على اختيار التعليم المهني والتقني كأفق مستقبلي واعد، لا كخيار ثانوي، بل كطريق للنمو والازدهار الوطني.


فكر مهنياً، قرر تقنياً، واختر ما يناسبك لا ما يُرضي غيرك.

د. عماد سالم – رئيس الهيئة الوطنية للتعليم والتدريب المهني والتقني سابقاً – خبير في التعليم والتدريب المهني والتقني

شاهد أيضاً

التوجيه السياسي والوطني يسلم محافظ طوباس صورة تذكارية لشهداء حملة حماية وطن

التوجيه السياسي والوطني يسلم محافظ طوباس صورة تذكارية لشهداء حملة حماية وطن

شفا – بتوجيهات من سيادة اللواء أنور رجب، المفوض السياسي العام والناطق الرسمي لقوى الأمن …