12:21 صباحًا / 8 يونيو، 2025
آخر الاخبار

عيدٌ بلا أسواق ، وأسواقٌ بلا عيد ، بقلم: د. عماد سالم

عيدٌ بلا أسواق… وأسواقٌ بلا عيد ، بقلم: د. عماد سالم

الأضحى في فلسطين بين نار الحرب وأنين الغلاء والبطالة وموت الأسواق


بينما يستعد المسلمون حول العالم لاستقبال عيد الأضحى المبارك بأجواء من الفرح والطمأنينة، يأتي العيد هذا العام على الفلسطينيين مثقلًا بالألم والمآسي.


في فلسطين، لا تتزين الأسواق، ولا تمتلئ البيوت، ولا يتردد صدى التكبيرات في الأحياء كما يجب، بل يسود الصمت… صمت الموت في غزة، وصمت الجيوب الفارغة في الضفة.


هو عيدٌ بلا أسواق، لغياب القدرة على الشراء.


وأسواقٌ بلا عيد، لغياب المعنى، وغياب من تبقّى ليحتفل.


غزة… عيد تحت ركام الإبادة


في قطاع غزة، لا عيد هذا العام، بل حرب إبادة مستمرة منذ أكثر من عامين، خلّفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، ودمّرت مئات الآلاف من البيوت، والمنشآت، والمستشفيات، والمدارس، والأسواق.


أكثر من 1.7 مليون فلسطيني نزحوا قسرًا من منازلهم، يعيشون في الخيام، بلا ماء، ولا كهرباء، ولا طعام كافٍ، ولا حتى أمان.


عيد الأضحى في غزة بات مناسبة للنجاة، لا للفرح.


الناس لا يبحثون عن الأضاحي، بل عن رغيف خبز، وعن نقطة ماء، وعن ساعة هدوء من القصف والموت.
وفي ظل انهيار كل مظاهر الحياة، واستهداف المراكز التجارية والمخابز والمساجد والملاجئ، لم يعد للعيد من أثر سوى في الدعاء، أو في دمعة أمّ تنظر لصغارها وهم ينامون على التراب بلا كسوة، بلا لعبة، بلا شعور بوجود عيد أصلاً.
أما البطالة، فقد بلغت معدلات غير مسبوقة، حيث وصلت إلى نحو 80% في غزة، في ظل انهيار شبه كامل للاقتصاد، وغياب مصادر الدخل، ودمار البنية التحتية، وقطع سلاسل التوريد، وتوقف غالبية الأنشطة الاقتصادية والخدمية والصناعية.


الضفة الغربية… عيد ثقيل بالديون، والبطالة، وانكماش الاقتصاد


أما في الضفة الغربية، فلم تكن الصورة أكثر إشراقًا، وإن لم تكن مدمّرة جسديًا كغزة، فإن التدمير الاقتصادي والاجتماعي يفرض ثقله على يوميات الناس، ويخنق فرحتهم.


البطالة في الضفة آخذة في الارتفاع، خصوصًا بعد توقف آلاف العمال الفلسطينيين عن العمل داخل الخط الأخضر منذ اندلاع الحرب على غزة، حيث يُقدّر عدد من فقدوا مصدر دخلهم من هذا القطاع بما يزيد عن 150,000 عامل، ما ترك أثرًا مباشرًا على دورة السيولة والاستهلاك داخل المجتمع.


الرواتب الحكومية، وهي العمود الفقري لشريحة واسعة من السكان، تُدفع منذ شهور بنظام “التجزئة”، أي بنسب تتراوح بين 50% إلى 70% من الراتب الأصلي، نتيجة أزمة المقاصة الناجمة عن اقتطاعات الاحتلال الإسرائيلي، وغياب أي أفق لحل مالي مستدام.


أما القطاع الخاص، فيئن تحت وطأة الركود، وارتفاع تكاليف التشغيل، وتراجع الإقبال الاستهلاكي، ما أدى إلى تسريح أعداد من العاملين، أو خفض ساعات العمل والأجور.


الاقتصاد الكلي في الضفة الغربية يواجه حالة انكماش واضحة، مع انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع في الاستثمار، وتزايد في المديونية، وسط حالة عامة من الغموض السياسي والتدهور الإداري.


أسواق مزدحمة بالصامتين… لا بالمشترين


مشهد الأسواق في المدن الفلسطينية، كما في رام الله ونابلس والخليل، يبدو في الظاهر معتادًا، لكن الداخل يعرف الحقيقة: الناس تخرج لتمشي، لا لتشتري؛ تراقب الأسعار، ثم تنسحب بصمت.
الأسعار مرتفعة، والدخل شبه معدوم، و”فرحة العيد” لم تجد ثمنها هذا العام.


أصحاب المحال التجارية يتحدثون عن “أسوأ موسم على الإطلاق”، حيث لم تشهد الأسواق هذا الكم من الكساد منذ سنوات طويلة، في ظل تآكل الدخل، وتقلص القوة الشرائية، وشعور عام باللاجدوى.
أطفال بلا عيد… وعيد بلا طقوس


الآلاف من الأطفال الفلسطينيين لن يرتدوا ملابس العيد هذا العام، ولن يعرفوا طقوسه، لا في غزة ولا في الضفة.
في غزة، من فقد والديه أو بيته أو أطرافه لن يعرف طعم الفرح.


وفي الضفة، من شاهد والده يقف حائرًا أمام سعر حذاء أو قطعة حلوى، يعرف أن العيد بات مجرد اسم.
حتى مظاهر العيد التقليدية من زيارات عائلية، وصلات رحم، وتبادل لحوم الأضاحي، إما اختفت، أو تقلصت إلى حدودها الدنيا.


رسالة العيد… ما زالت في الصمود والتكافل


رغم كل ما سبق، ما تزال هناك محاولات لصنع بصيص من الفرح.
مبادرات خيرية متواضعة، وجهود فردية في توزيع الطعام أو الملابس المستعملة، ومحاولات حثيثة للحفاظ على الحد الأدنى من طقوس العيد.


فالعيد، في فلسطين، لم يكن يومًا متعلقًا بالماديات فقط، بل هو فعل مقاومة، وذاكرة، وصبر، وتكافل.
في الختام نقول من الرماد تُولد الكرامة


في فلسطين، لا تُقاس الأعياد بمستوى الإنفاق أو عدد الأضاحي، بل بمستوى الثبات على الأرض، والتمسك بالأمل، والاحتفاظ بالكرامة وسط الركام.


هو عيدٌ بلا أسواق، نعم.


وأسواقٌ بلا عيد، نعم.لكنه أيضًا عيدٌ يُثبت فيه الفلسطيني مرة أخرى أن الحياة أقوى من الحرب، وأن الذاكرة أقوى من النسيان، وأن التكبير فوق الركام هو شهادة حياة، لا مجرد طقس ديني.

شاهد أيضاً

أولمرت: حكومة إسرائيل عصابة إجرام برئاسة نتنياهو

شفا – قالت صحيفة “معاريف” العبرية نقلا عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، مساء …