
في خيمة يوسي داغان: حيث يُرسم مستقبل الضفة بالجرافات ، بقلم: د. عمر السلخي
في قلب قرية بروقين الواقعة إلى الغرب من محافظة سلفيت، وعلى مرمى حجر من بيوت الفلسطينيين، أقام رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية، يوسي داغان، خيمة لم تكن مجرد مظلة قماشية، بل تحولت إلى مركز قرار فعلي يُبتّ فيه بمصير آلاف الدونمات الفلسطينية، وتُرسم فيه خطوط جديدة على خارطة التهويد الزاحف في الضفة.
منذ لحظة توليه هذا المنصب، أعلن داغان صراحة عن حلمه الاستراتيجي: “الوصول إلى مليون مستوطن في السامرة وحدها”. حلم صهيوني ديني استيطاني لا يهادن، يدفع باتجاهه بكل الوسائل الممكنة، ويجد في الحكومة الإسرائيلية اليمينية والوزارات المتحالفة معها منصة تنفيذ مثالية.
أخطبوط الاستيطان: صائد الفرص المدعوم من أعلى المستويات
يوسي داغان لا يتحرك كموظف إداري، بل كمهندس ميداني لمشروع تهويد شامل، يستخدم نفوذه الواسع وعلاقاته السياسية المتينة لتفكيك الوجود الفلسطيني، وتحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم، مقابل خلق بيئة جذابة للمستوطنين الإسرائيليين.
من أبرز مشاريعه التي غيّرت جغرافيا المنطقة وواقعها:
شارع حوارة الالتفافي
شارع الفندق الالتفافي
مجمع الحافلات شرق مستوطنة أرئيل
الاستيلاء على المحميات الطبيعية وتحويلها لمناطق سياحية للمستوطنين
شبك المستوطنات بشبكة الإنترنت الأسرع في العالم
اتفاقية إنشاء قطار عجلات على شارع رقم 5
تشجيع ودعم المستوطنات الرعوية لطرد الرعاة الفلسطينيين من جبال شمال الضفة
صوت الجرافات يوقّع الاتفاقات
قبل يومين فقط، استضافت خيمته وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، حيث وُقّعت اتفاقية خطيرة تقضي بإنشاء 15 مستوطنة جديدة و5 مناطق صناعية، في سياق متسارع من شرعنة البؤر الاستيطانية وتحويلها إلى مستوطنات رسمية. كل ذلك كان على وقع أصوات الجرافات التي كانت تسوّي ٢٥٠ دونم من أراضي بلدة بروقين تمهيداً لبناء استيطاني عليها.
بيئة طاردة للفلسطينيين، وجاذبة للمستوطنين
المعادلة التي يسعى داغان لترسيخها بسيطة وخطيرة:
حرمان الفلسطيني من أدنى مقومات العيش الكريم: إغلاق مداخل القرى، مصادرة الأراضي، منع البناء، هدم البيوت، سحب تصاريح الحركة، وتضييق الخناق الأمني والاقتصادي.
تحسين جودة الحياة للمستوطن: طرق سريعة، كهرباء وإنترنت متطور، مناطق ترفيه، سياحة بيئية، حوافز سكنية، وبنية تحتية متكاملة.
رأس الحربة في مشروع التهويد
في المشهد الاستيطاني بالضفة الغربية، لا يوجد من هو أكثر نشاطاً وتأثيراً من يوسي داغان. فهو لا يكتفي بالدعوة أو التنسيق، بل يقتحم الأرض ويصوغ السياسات ويُشرف على التنفيذ، ويُحوّل المستوطنين إلى أداة ضغط جماعية تُملي على الحكومة أجندتها.
من يُوقف هذا الطوفان؟
بين خيمة تُخطط وقرى تُجرف، وبين مستوطن يُفاوض ووزير يُوقّع، يقف الفلسطيني أعزل أمام مشروع إحلالي لا يرحم. لم يعد السؤال فقط عن الأرض، بل عن البقاء. ومع صمت المجتمع الدولي، وغياب مواقف وفعل المؤسسات الحقوقية، يبدو أن القضية الفلسطينية تُعاد صياغتها من جديد… هذه المرة من داخل خيمة بيضاء تُنصب على تراب بروقين.
المطلوب اليوم ليس فقط تسجيل هذه الاعتداءات، بل تبني مقاومة شعبيه ميدانية تتكاتف فيها كل الجهود المحلية واطلاق تحرك سياسي وقانوني وإعلامي شامل، محليًا ودوليًا، لإعادة فتح النقاش حول مستقبل الفلسطيني في وطنه، قبل أن يُصبح الحديث عن الأرض مجرد ذكريات موثقة في دفاتر الخرائط القديمة.
