
شفا – الاعلامي قسام سمري ، تعد فلسطين من أغنى مناطق العالم بالمواقع الأثرية نتيجة موقعها الجغرافي المميز وتاريخها الطويل الذي يمتد على مدار أعوام طويلة فقد كانت فلسطين موطنا للعديد من الحضارات القديمة وتضم مواقع دينية وتاريخية مهمة إضافة للعادات والتقاليد , منذ القدم بقي المواطن الفلسطيني متشبث في أرضه وجذوره ويحاول بقدر المستطاع فهم ودراسة مواقعه الأثرية وتراثه الاثنوغرافي ومحاولة الربط بينهما نظرا لأهميتهما التاريخية والثقافية لصالح الشعب الفلسطيني فهي تمثل هويته القومية .
تأسس أول متحف في فلسطين عام 1970 وأطلق عليه مسمى ( المتحف البدوي الفلسطيني – تراث من عبق التراب ) على يد الطبيبة حاكمة عايد ترابين والتي وضعت الحجر الأساس للمفهوم الثقافي الطبي الاجتماعي ل مصطلح ( علم المتاحف الفلسطيني) والذي أخذ يتطور مع الأجيال إلى أن تم الاعتراف به رسميًا وترخيصه كمتحف من قِبَل حكومة الإمبراطورية العثمانية في عام 1884م، ثم حصل هذا المتحف على ترخيص من حكومة الانتداب البريطاني في عام 1920م، وقد استقر المتحف في قرية “غزالة” وهي قرية شبه بدوية تقع شمال مدينة بئر السبع الفلسطينية المحتلة والتي كانت هذه القرية على فترات زمنية مختلفة نقطة التقاء القوافل والتجارة والعلاج، فشكّلت الموقع المثالي لمتحف تراث من عبق التراب وإضافةً إلى الدور الأساسي لمؤسسة “تراث من عبق التراب” كمتحف يعرض قطع من التراث الفلسطيني للمهتمين والزائرين، فهو يعمل أيضًا كمركز تعليمي يُعْنَى بتعليم المعارف الفلسطينية التقليدية وخاصة البدوية، بما في ذلك فنون النسيج، والتطريز، وصناعة الحلي، والتمائم، والأدوات الزراعية، وغيرها.
وفي أحداث نكبة عام 1948 وفي هذا السياق ومن أجل الحفاظ على جزء من الذاكرة والهوية تم جمع بعض من المقتنيات والحكايات المرتبطة بها من كافة أنحاء فلسطين على مدار ست اجيال حتى وصلت الان الى باريس فأصبح المتحف اليوم يحتوي على نحو 250 من الأثواب والأزياء الفلسطينية ونحو 200 قطعة من الحلي والتمائم الفلسطينية، و 500 عملة نقدية يرجع صكها لفترات زمنية مختلفة، و مئتي وثيقة صدرت خلال الفترتين العثمانية والبريطانية موزعة على شكل جوازات سفر وخرائط وصور وشهادات حول الحياة اليومية و طوابع بريدية صدرت خلال الفترة العثمانية بالإضافة الى 30 لوحة فنية توضح الحياة اليومية في فلسطين خلال الفترة العثمانية ومكتبة تحتوي على1500 كتاب بعشرة لغات عالمية مختلفة .
علما الباحث الاكاديمي متحف الترابين مدير عام ومؤسس الاكاديمية وأيضا المنسق الدولي في المجلس الدولي للمتاحف كممثل عن فلسطين وأيضا ممثل الاتحاد المؤرخين والاثار يين الفلسطينيين في القارة الاوربية , وأفاد الباحث ترابين ان الاكاديمية تأسست في قلب العاصمة الفرنسية باريس على مسافة قصيرة جدا من متحف اللوفر عام 2022 وأن الهدف من إنشاء الاكاديمية , تلبية الاحتياجات العلمية للحفاظ على اهمية تاريخ فلسطين ، وتعزيز الوعي بالتراث الثقافي والمادي , وأشار الترابين إلى أهمية التعاون مع مؤسسات أكاديمية دولية لتحقيق أعلى معايير التعليم والتدريب ولعرض مقتنيات تراثية استطاع جمعها وترحيلها إلى الأكاديمية والتي تعود غالبية المقتنيات المعروضة الى اول متحف اثنوغرافي خاص اسس في جنوب فلسطين .
فجاءت اكاديمية علم المتاحف الفلسطيني والعربي برسالتها، ذات الطابع الإنساني، والبعد الوطني والأكاديمي ، الذي سيتم من خلاله تخريج أجيال تحمل في طياتها بُعدًا علميًا أصيلاً، يستمد مفاهيمه من تراكم المعرفة والمساهمات التي جرت من قِبَل المتخصصين، والعلماء، والمؤرخين، ومن أهداف هذه المدرسة، تعليم العلوم المتحفية لتحفيز الاجيال على البحث والتنقيب وكشف المزيد مما قدمه أسلافنا الفلسطينيين ولترسيخ ثقافة الريادة والإبداع والتميز في حفظ التراث وإرساء دعائم الإنتاج المعرفي والذي يقود الى السلام الذاتي والعالمي.
مجالات البحث الفرعية المتعلقة بالعلوم التراثية الخمس والتي تتم دراستها حاليا في الاكاديمية والتي تندرج من المفهوم الاكاديمي الرئيسي ( علم المتاحف الفلسطيني ) :
علم النسيج والتطريز الفلسطيني _ علم الطب التقليدي الفلسطيني
علم الحلي والزينة الشعبية الفلسطينية _ علم الوثائق الفلسطينية _ علم الطوابع الفلسطينية
وصرح الترابين في حديثه بالتأكيد على أن الأكاديمية هي بمثابة حجر الأساس في بناء مستقبل أفضل لمجال علم المتاحف في فلسطين . فمع الإيمان بتحقيق الهدف الأسمى للعلم والثقافة، تسعى الأكاديمية نحو تطوير مشاريع مستقبلية تعزز من مكانتها كمؤسسة رائدة في مجال علم المتاحف لكن تحقيق ذلك يتطلب دعم ومؤازرة هذا العلم لنشره في قطاعات واسعة من البلدان العربية والأوروبية .
ورغما من الأهمية العالمية لهذه المواقع فإنها تجسد المواقع الأثرية والمواد الاثرية والاثنوغرافية في فلسطين ذاكرة التاريخ والحضارة فهي ليست مجرد احجار صامتة بل تعد شواهد حية على أمم كانت على هذه الأرض المباركة بحكاية خالدة تروي فصولا من المجد والصمود و إن الحفاظ على هذه المواقع لا يقع على عاتق المسؤولية الثقافية وحسب بل هي واجب وطني وإنساني لحماية هوية شعب و رواية صادقة تروي عن أجيال قديمة تركت أثرا كبيرا خلفها , فنحن اليوم نعمل على حماية هذه المواد التاريخية ونعمل على تدريسها إلى أجيال المستقبل في داخل أو خارج دولة فلسطين .