1:05 مساءً / 12 مايو، 2025
آخر الاخبار

أبعاد مرايا الظل في ديوان “لابد من حيفا” للشاعر عبد الناصر صالح ، بقلم : د. مريم أبوبكر

أبعاد مرايا الظل في ديوان "لابد من حيفا" للشاعر عبد الناصر صالح ، بقلم : د. مريم أبوبكر

أبعاد مرايا الظل في ديوان “لابد من حيفا” للشاعر عبد الناصر صالح ، بقلم : د. مريم أبوبكر


بين جرحين يؤسس عبد الناصر صالح عَبْر ديوانه “لابد من حيفا” لقيامة الحرية وانبعاث الكلمة ومرايا ضوء السكينة والسلام


وبهدوءِ ضجيجِ الصمت يُعلن عن “آخر الشعراء” برسالة شعرية إلى صديقه الشاعر الراحل حلمي سالم, تَرجم فيها نص الغياب حتى شرب من غيم الكوابيس, واختنق برموز السّحاب المكتوب بصوت السماء؛ ليكشف عن سرٍّ نازف في جسم الحقيقة حتى شَغَلَت حروفه حيِّز الفراغ؛ يقول الشاعر:


يشربُ غيمَ الكوابيسِ
تخنقه لفحة القيظِ وهو يفكُّ رموزَ السّحابِ
يترجمُ صوت السّماء
لكي يتعلم نصّ الضحيّةِ
يكشفُ في سرّهِ عن نزيفٍ سيأتي
ويُبقي الحروف على حيِّزٍ من فراغٍ
طلولًا تؤانس عُزلتها (صالح, 2022, 10)
ينثر الشاعر نزيف نور كلماته على شرفات شبابيك مُطفأة, وفي غياب الحضور يناجي أُمه وطنه “فلسطين”, يدقُّ باب الشمس المخضب بكثير من الرؤى خلف الغمام, مسكونة بالرياحين والندى أملًا في انعكاس بريق الحلم والحرية قائلًا:
يدقُّ بابَ الشّمسِ
يجلبُ نورَها للأرضِ مُنسجمَ الرّؤى
أمي تَهِلُّ كما الضُّحى خَلْفَ الغمامِ
بِوَجْهِها المَسْكونِ بالرّيحانِ
والألقِ النّديِّ
تهلّ مِن أملٍ تعثّر في بريقِ الحلمِ (صالح, 2022, 17)
ومن غرفة زجاجية تنادي حيفا وترقب نبض الواقع في عزلة مرايا الظل, تضيء عتمة غياهب البحر, بفاه القصيدة وحروف الإقصاء والغياب في المسامات المنسية تعيدها صحوة الميلاد, والحقيقة في قضاء الله وحده, وبزمن بين صُبحين, يقول الشاعر:
حَيْفا تُنادي,
والبيوتُ تردُّ مِنْ شَغَفٍ على قَرْميدِها
فاهُ القصيدَةِ مُفْعَمٌ بِحُروفكَ الأشْهى
وَنْبَرَةِ صَوْتكَ الجبَليّ في الأسْحارِ
فاصْبِرْ في الغيابِ (صالح, 2022, 26)
يكشف عبد الناصر صالح عن نبوءة ياسمين الروح, وأمل الشتاء, وربيع المَعْنى, ثم يُعيد تشكيل الخطاب لتكتمل صورة البوح في أبعاد الصدى, ويَعْبُر المدى بين ذاكرتين بوجع الفراق, قائلاً:
منْ مَواعِظَ فوقَ خَطّ المَوْتِ/
أن تحمي النّبوءةُ زَرْعَها
من أينَ أدخلُ يا تُرى؟
حَتّامَ يُجْهِضُ حُلمَنا نبأُ الفُراقِ
فكيفَ نخْتَتِمُ المسافَة بينَ ذاكرتَيْنِ تَلتَحِمانِ (صالح, 2022, 70)
ويَنْقُش الشاعر على محراب جذع الشجرة والهوية تجربة أبدية الوجود, ويتبع بوصلة الوطن وإن حال دونه المنفى, ليعيش بين واقعين وحُلم؛ إذ يقول:
أحبـــــــك يــــا قطعــــةً من كياني ومبعَــــــثَ فخــــــريَ بيــــنَ الأنــــامْ
وإن حـــــــالَ بينـــي وبينكِ سجنٌ وشوكُ المَنافي سَرى في العِظامْ
وحاصَرَني الحُزْن من كلّ حدبٍ وأوْهَتْ خُطــــايَ الهمــــومُ الجِسامْ
أشــــــدُّ الرِّحــــــالَ إلى طولِكَـــــــرْمٍ ففــي طولِكَـــــرْمٍ يطيـــبُ المقــــــامْ
ألا فَـــــلْتَـــظَلّــــــــي لنـــــــا صـــــورةً تُتَـــــوَّجُ بالغـــــارِ عامًـــــــا فعـــــــامْ
(صالح, 2022, 88)
يرصد الشاعر مَمالك تحمي غَرْسها مُمتحِنًا القوافي لتحكي روايتَها, في وصية مخبوءة في تيهِ الرّمل, مدفون على قيد الإفصاح عن ظل إطلالته, قائلًا:
تَبْني مَمالِكَها وَتَحميَ غَرسَها
عمرًا مُصابًا بالدّوارِ يشقّ عظمَ الصَّدرِ
يَمْتحنُ القوافي مُرْفَقًا بِنزيفِها
للقلب صَحْوَتُهُ,
فهل راوَغْتَهُ دهرًا؟
هنا إطلالَةٌ تحكي روايتَها
أجل
ماذا دَفَنْتَ هناكَ بينَ ظِلالِها

وبين ركعتين يبوح عبد الناصر صالح في خطابه بأسماء كاملة كُتِبَت على جدران حيفا فلسطين, في رسائل شعرية تُرَبِّتُ على كتف الحقيقة حتى تتنفس اللغة عُمْق المعنى, وتُفْصِح عن الهوية والوصية والجياد؛ إذ بانت سعاد, قائلًا:
لابُدّ مِن حيفا لنسجُدَ رَكْعَتَيْنِ
ونُدْخِلَ المَعْنى شَهيًّا سائِغًا للسّرْدِ

وَصيّةً مَخْبوءةً بالرّملِ (صالح, 2022, 89)

هل ترى حيفا؟
كأنّكَ تَكتبُ الأسماءَ كاملةً على جُدْرانِها
لهمُ الرّمادْ
ولكَ الهويّةُ والوصيّةُ والجِيادْ

فازْرَعْ غِراسَ النَّخلِ
قد بانَتْ سُعادْ (صالح, 2022, 97)
بين قذيفتين ومخلبين وتحت ظلال المرايا تتفاعل السماء مع الأرض, ليكشف الشاعر عن شرخ الصدى, ويتنامى الحلم في ندوف القطن ليؤكد أن البحر أُمْنية, ويرسو على شطئان البوح؛ قائلًا:
بين قذيفتيْنِ ومِخْلَبَيْنِ
ألا ترى؟
عيناكَ تكتشفانِ في شَرْخِ الصّدى خَطْوَ الثّعابينِ/
استَفَقْتَ مُعَزّزًا وأضَفْتَ نيشانًا لأَنْساقِ القرى
سبعٌ عِجافٌ قد مَرَرْنَ وجاءَ عامُ الخَصْبِ
-كَمْ عَصَفَ الشّتاتُ بِهِ- (صالح, 2022, 100)
يُطوّف عبد الناصر صالح في أروقة القصيدة, باحثًا في أبعاد دخان المرايا, في عَدَميّة الرماد يُترجم السراب, ليُخْرِجَ تفاصيل الحكاية ويختصر الزمان, يؤرقه التأمل بيقين لغته, ثم يكسب الرهان ويستريح في معاني حروفه, يَنْشُد الندى, قائلًا:
لكِ أَنْ تُضيئي في رياحِ الشّعرِ مِحْرابي
لِتَنْصَهِرَ القصيدةُ بالنَّدى
قَلَمي سَيَبْقى رًهْنً عادَتِهِ
يُجَمِّعُ في لِحاظِكِ ما تَرَقْرَقَ من رياحِ الشِّعْرِ
كَيْ يَبْقى يُرَتّلُهُ
بِرَغْمِ الخَوْف والنُّكرانِ
لا يَنْفَكُّ يُرسِلُهُ
إلى مُدُنِ الحِصارِ إذا تَفَتَّحَ لَونُها (صالح, 2022, 119)
يَسْتَل الشاعر أحجية القصيدة من ظل الندى وروح المدى, مِدادها ليل مبلل بسراب تميمة نجم الضُّحى, ومن رحيق الصحائف يرتوي السّحاب, لتتقدم الشمس خطوة نحو الأمام مُعْلِنة بصوت السّلام عن حَلّ اللُّغز بِوحي الخيال, قائلًا:
انتبه للشمس راهبة تطل على المدى
لك وشمسها الأبدي إن لاح الغياب
ولك الصحائف ترتوي برحيقها
ولك السحاب (صالح, 2022, 129- 130)
ومن أبعاد ظل المرايا تنبع الحكاية, وعلى نهج الحنين مرادفًا للحزن هدير الحرب, وثورة المعنى حيث لا غُربة ولا غَرابة, وعلى ناصية القلب تُنْقَشُ الكتابة, يدخل أمير الشعر للقوافي نازفًا ليطفئ الحَنّونُ شيئًا فشيئًا عالم الليل بالندى, يقول عبد الناصر صالح:
أنا أميرُ الشِّعرِ,
أَدْخُلُ للقَوافي من شذى شاماتِها
مَشْفوعةً بِأصابعِ الوصلِ القديمِ
أنا مَسيحُ حُروفِها الجَوّالِ
والمَنْفيُّ في المَعْنى
أَبيعُ الحزنَ مَغْروسًا بخاصِرَتي
نَزَفْتُ, وأطفأ الحَنّونُ نُدْبيَ

تَخْتَفي شيئًا
فشيئًا (صالح, 2022, 145)
ويتم الشاعر صلاتَه في محراب الشهيد, ويطَوف حول سرداب النجم ليعتلي سماء النصر, ذاكرة رطبة في أعالي السجن والصبّار يمحو رحيق العمر في واحات الصبر, يقول عبد الناصر صالح:
واكمل صلاتِكَ مِثلَ صوفيٍّ أمينٍ
كي ترى إضبارةَ الشّهداءِ
تلمَعُ كالطّلوعِ/
هنا يقينُكَ في طوافِ السّجنِ
يَكْشِفُ الخُطى

سماؤُكَ عِقْدُ أسئلةٍ سَتَجْهَرُ بالخُصوبَةِ,
مِثلَ ذاكِرةٍ مُرَطّبَةٍ
فهل تَصِلُ الصّلاةَ إلى أعالي السّجْنِ
فاصعَدْ
مِثلما الصَّبارُ يَعْصُرُ مُهْجَةَ الأَسْفَلْتِ,
كي يَمْحو الخَرائِبَ
علّنا نَصْطادُ في الواحاتِ رائِحَةَ الجُدودْ (صالح, 2022, 148-149)
تسكن بيت القصيد في ديوان “لابد من حيفا” رسائل شعورية تعكس حالات القهر والسجن والعزلة, تخرج من أعماق وجع الفلسطيني ومعاناته, فتُظهِر أبعاد الخطاب في مرايا الظل قصص الشهداء والأسرى والمناضلين المحكومين قسرًا مدى الحياة, تناظر ديمومة إشعاع الشمس في صِدقها, وتختزل حرية الوعد المنتظر على أغصان واقع الياسمين, وتعكس رؤى في مرآة التجربة بعيدة الصدى, مكان يراوح بين الحقيقة وركام المشاعر ونزف الكلمات ونزوح الروح, تلجأ الفكرة إلى عقل الزمان, تُمزِّق ظلمة أبعاد مرايا الظل وما بعد, والله وحده يعدل بين أطراف الحكاية

المصدر: صالح, عبد الناصر(2022): ديوان “لابد من حيفا” ط1, حيفا: مكتبة كل شيء

  • – د. مريم أبوبكر باحثة – فلسطين .

شاهد أيضاً

افتتاح بازار للمنتجات النسوية في قلقيلية

افتتاح بازار للمنتجات النسوية في قلقيلية

شفا – افتتحت محافظة قلقيلية، اليوم الاثنين، ببلدة عزون شرقا، “بازار أيار”، لدعم المنتجات النسوية. …