9:16 صباحًا / 25 أبريل، 2024
آخر الاخبار

أنا حرة بقلم : رامية نجيمة

“أنا حرة” هذا عنوان فيلم من كلاسيكيات السينما المصرية، التي شاهدناها أيام الطفولة و المراهقة، و كان لها دور بشكل أو بآخر، في تكوين شخصية جيلنا، يتحدث الفيلم عن أمينة الفتاة المتمردة التي تعيش في حارة شعبية، و تدخل في صراع مع أسرتها المحافظة و مع محيطها الإجتماعي لتحصل على حريتها، في الوقت الذي كانت بلادها تعاني ويلات الإستعمار الجاثم على قلب شعب بأكمله، كانت أمينة تبحث عن حريتها في الخروج متى شاءت و السهر خارج البيت و ممارسة الرقص و ارتداء ما يحلو لها من الملابس الكاشفة، و بعد أن تحصل على حريتها تستيقظ في يوم من الأيام لتكتشف أنها كانت تجري وراء حلم زائف، و تدرك لاحقا أن لا حرية في ظل وطن سليب، و أنا الحرية ما هي إلا وسيلة للدفاع عن الكرامة و المبادئ، و أن الإنسان لا يكون حرا فعلا إلا عندما يصبح عبدا لمبادئه.

أكيد أنه من الغريب أن أستشهد بفيلم من إنتاج عام 1959 ، و أنا أعيش و أكتب في 2012، و لكن لي في هذا سبب وجيه سيعرف بعد قليل، الآن دعونا فقط نتصور لو أن أحدهم قام الآن، في زماننا هذا، بإنتاج فيلم يحمل نفس التيمة حيث تبحث البطلة التي تعيش في زماننا عن الحرية، ترى عن أي نوع من الحرية ستبحث؟

عن حرية اختيار الملابس و الخروج متى شاءت و تعلم الرقص؟……..لا أعتقد، فهذه الأمور صارت في زماننا من الحريات المتاحة لأغلب النساء و المتجاوزة في العالم كله بما فيه العالم الإسلامي، باستثناء بعض الديكتاتوريات الرجعية، و لهذا أعتقد أن فيلما كهذا سيكون عبارة عن تقليد بليد و خال من المضمون.

في تصوري الخاص أنه إذا تم إنتاج فيلم مشابه لفيلم “أنا حرة” فمن الممكن أن تدور الأحداث في فرنسا، حيث تحلم البطلة بحريتها في ارتداء الحجاب، أو في المغرب حيث تحلم البطلة بحريتها في ارتداء النقاب مثلا، دون أن تتعرض لسخرية و إستهزاء من يسمون أنفسهم حداثيين و ديموقراطيين !

لا يجب أن تستغرب مثل هذه الأمور، خصوصا عندما نتحدث عن المغرب،  ما يستغرب فعلا هو أن هذه الفئة من النساء تكاد تكون صامتة خوفا من أن تتهم بالرجعية و لأنها تخشى”الديكتاتورية الحداثية” التي لا تحمل من الحداثة إلا إسمها، و التي لا تعرف من حرية المرأة إلا لباسها، و تجدها صورة إعلان مناسبة لتسويق أي منتوج مهما كان رخيصا أو رديئا، و انتشار ظاهرتي الحجاب و النقاب تشكل خطرا على نظام اقتصادي عظيم لم يزدهر إلا مع تحرر المرأة من لباسها، لأن المرأة عندما تستر نفسها و تحفظ كرامتها ستنجلي فجأة كل الأصوات الغنائية النشاز، و تختفي معها الأفلام الساقطة، و الكتب و الروايات التي لا تباع إلا إذا وضعت صورة امرأة عارية على الغلاف، لهذا فإن لا هذه الفئة من النساء  و لا المتعاطفين معها  مع الأسف قادرين  على إنتاج فيلم و لا حتى كرتون تقول فيه المرأة المسلمة  بعلو صوتها “أنا حرة”.

في مدينة الناظور، زارنا منذ شهور رسام تشكيلي بلجيكي من أصل ريفي مغربي، و لأن التظاهرات الفنية قليلة في مدينتي فقد فرحت من أعماق قلبي و ذهبت هرولة لأستمتع بالفن الراقي، و لكني خرجت بغصة في حلقي، كانت بعض هذه الرسوم تصور المرأة المنقبة، كأنها أمة متخلفة و أسيرة لرجل يجرها من خلال سلسلة مثبتة في عنقها كالكلب، ذلك أن هناك فكرة رائجة بأن المرأة المنقبة هي دائما و ضرورة ترفل تحت سيطرة رجل ظالم أكثر تخلف منها، و مع الأسف كنت أنا أيضا من ضحايا هذه الأفكار الرائجة، و كنت كثيرا أتساءل بيني و بين نفسي، عن مدى العلم و الإستقلالية و الأفكار التي يمكن أن تحملها هذه “الخيمة المتنقلة” كما يسمونها، و لكن و لأنه كما يقال لا يمكن أن تخدع كل الناس لكل الوقت، خصوصا في عصر الفيسبوك و الآيباد كان لا بد لي أن أستفيق، حدث هذا على يد نساء منقبات أثبتن أن التخلف و التقدم أبعد ما يكونان عن لباس المرأة أو الرجل بل لا صلة لهما من قريب و لا من بعيد بالمظهر العام للإنسان.

إن التاريخ يدور و لكنه، لا يعيد نفسه كما يقال، ليس مع نفس الأشخاص و بنفس المواقف، و لكنه يدور و يأتي بالمفاجآت و العجائب، و ما كان في يوم من الأيام من البديهيات أصبح اليوم من علامات التخلف و الرجعية، و ما كان في ما مضى رمزا للإنحلال و الفساد أصبح اليوم من علامات التمدن و التحضر، و لو أنه تم اختراع آلة الزمن لكان بإمكان بطلة الفيلم أن تأتي لتعيش في زماننا و تعرف المعنى الحقيقي للحرية، “الحرية” التي لا يمكن اختزالها في مظهر أو لباس، و لو أننا حصلنا على هذه الآلة لكان من الممكن أيضا إرسال الرجال و النساء “المتخلفين”  و “الرجعيين” إلى العصر الذي يليق بهم، حتى نرتاح منهم و نبدأ في مناقشة أمور أكثر أهمية.

ما يحدث الآن على الساحة الوطنية و الجدل الدائر باسم الحرية و خصوصا النداءات المتكررة الداعية إلى تحرير المرأة جعلني أتذكر بطلة الفيلم و أتساءل بيني و بين نفسي عما إذا كنتُ حرة و عن القدر الذي أملكه من هذه الحرية، و لكن لما أصبح مفهوم الحرية مرتبطا عند المرأة بالحق في الخروج و اللهو و السهر و احتساء المسكرات، و ارتداء كل ما جادت به أيادي صانعي الموضة، فإنه يحق لي أن أقول أني حرة ولكن بمفهوم 1945 !

ولكن الحرية قيمة أكبر من كل هذا الهراء، الحرية هي أن أكون إنسانا مستقلا، آتي بأفكاري الخاصة و أعمل بها دون أن أكون مدفوعا من جهة ما، الحرية هي أن أكون على قدر كبير من المسؤولية قبل أن أقول:”لا” و قبل أن أقول “نعم” الحرية هي أن لا أخاف عندما أتكلم لا من قتّال و لا من جلاّد و لا حتى من همسات سخرية أو نظرات استهزاء تخترقني عندما أمشي و عندما أتحدث أو عندما أكتب، الحرية ليست لباسي أو حجابي أو نقابي، الحرية هي أن أقول كلمة الحق و الرزق على الله ، هي أن أناضل ضد الظلم و الأعمار بيد الله.

الحرية…كلمة في غاية العظمة و الرقي، كلمة جامعة مانعة، في تفسيرها قد تؤلف مجلدات، دون أن تحقق المعنى أو تشبع نهم المبحر في معناها، و أنا لم أحاول الإبحار، خشية أن تبتلعني الأمواج، و لكني اكتفيت بالوقوف  على شاطئها لأبلل قدماي، و أتأمل ما يحدث و أتساءل بيني و بين نفسي عما إذا كنت حرة……و لكن هذه المرة بمفهوم 2012.

شاهد أيضاً

لأول مرة .. مفاوضات روسية أوكرانية مباشرة بوساطة قطرية

شفا – أعلنت المفوضة الروسية لشؤون الطفل أن روسيا وأوكرانيا أجريتا لأول مرة مفاوضات مباشرة …