2:27 صباحًا / 19 أبريل، 2024
آخر الاخبار

كنوزنا الدفينة بقلم : حصة العوضي

هي تلك الأشياء التي نُحاول إخفاءها عن كل العيون قدر المستطاع.. لأنها أشياء يجب أن تظلّ بالداخل.. فقد قدر لها أن تظلّ مكتومةً بداخلنا.. حتى عن أقرب الناس إلينا.. فخروجها من مخبئها وبروزها للآخرين لن يدلّ إلا على ضعف مشاعرنا وإرادتنا.. يدلّ على عدم قدرتنا على التحلّي بهذه القوة التي منحنا الله إيّاها.. والتي حاولنا المحافظة عليها منذ نعومة أظفارنا.. ولسنا نعلم إن كانت تلك قوة فعلا.. أو هي قسوة.

 

زميلة لي التقيتها منذ فترة كانت تعبّر عن تلك القوى الخفيّة التي نخبئها بداخلنا.. كانت تحاول كتم بعض الدموع التي تناضل للخروج من بين أجفانها.. قالت :

 

– وأمي مريضة .. شعرت بإحساس قوي يدفعني لأحتضن قدميها وأقبلهما.. لكنني لم أفعل .. لقد خبأت رغبتي تلك وأخفيتها حتى عني وعن مشاعري.

 

زميلة أخرى قالت :

– عندما خرج والدي من غرفة العمليات.. وددت لو أقبله بين عينيه المريضتين.. وأحتضن رأسه في صدري.. لكنني قاومت في آخر لحظة.. ولم أستطع سوى أن أقول له كما قال الآخرون .. حمدًا لله على سلامتك.. وأنا أمسك يده كأي غريب..

وزميلة أخرى فقدت أمها في لحظة ما.. قالت :

 

– عندما رأيت أبي بعد الجنازة والدموع في عينيه.. تمنيت أن ألقي بنفسي في أحضانه.. فكلانا فقد العزيزة الغالية لديه.. لكن خانتني تلك القوة الخفيّة التي أبعدتني عنه.. ولم أستطع إلا أن أقبله على رأسه وأنا أقدِّم له العزاء في أمي.

 

ليست هي وحدها.. وليست تلك الأخرى .. ولكن الشباب أيضًا .. اعتادوا على إخفاء كل المشاعر التي لديهم.. فذلك الشاب يخفي كل مشاعره الفياضة تجاه أمه.. يخفي حبّه الكبير لها.. وشوقه إليها في غربته.. ورغبته الكبيرة بأن يلقي بنفسه في أحضانها.. ولكم ما إن يراها.. حتى يغطي على كل تلك المشاعر.. ويخبئها تحت غطاء من المشاعر الأخرى.. والصمت الدائم.. والحياء.. وكلام الآخرين.

 

قال ذلك اليوم : لم أستطع أن أذرف دمعة واحدة في عزائها.. فقط كنت أغطي حزني الكبير بابتسامة وضحكة رسمتهما فوق وجهي.. وأنا أتقبّل العزاء من كل القادمين.. والمعزين.. حتى لا يقول عني أصدقائي.. أنني ضعيف الشخصية والأحاسيس..

لماذا نحن هكذا .. ؟؟ لماذا نخبئ كل عواطفنا في أعماقنا.. حتى تنزف وحدها في شراييننا.. وتسبِّب لنا المزيد من الآلام والأمراض النفسية المزمنة ..؟؟

 

البشر الذين تناسوا هذه العلاقات الإنسانية.. وبددتهم الحضارة والثورة التكنولوجية.. يتمنون لو يعود الزمان بهم إلى تلك الأيام التي كانت تجمعهم بكل أحبائهم وأبنائهم.

 

هناك في الغرب.. انتهت تلك العلاقات العائلية والأسرية الجميلة.. فزاد عدد العيادات النفسية.. وزاد عدد المرضى النفسيين المترددين على تلك العيادات.. وأصبح هناك أمر ضروري وإجباري.. أن يلتحق الفرد بمجموعات العزاء والحزن.. والطلاق.. والخلافات الزوجية.. والعلاقات السرية .. والإدمان.. وغيرها من المجموعات الكثيرة التي لم تظهر إلا بفعل ذلك الانقطاع العاطفي عن الآخرين.. وبفعل الكبت النفسي والمزمن الذي بدأ يستولي على مشاعرنا وبيوتنا ومخادعنا.. وأبنائنا.. وأصبح الذهاب إلى العيادات النفسية أمرًا عاديًا جدًا.. كالمرور على السوبر ماركت أو الجمعية التعاونية أو غيرها.

 

فلنبكِ حينما نشعر بالبكاء حقًا.. ولنغرق المناديل الورقية بدموعنا ومشاعرنا الفياضة.. بدلاً من ابتلاع تلك الأقراص المضادة للاكتئاب والحزن.. ولنحاول أن نتكلم.. أن نعبِّر عما في داخلنا.. أن نخرج تلك الكنوز الدفينة التي نخشى عليها من التبدد والذوبان تحت المشاعر اللاهبة.

 

العمر يمضي.. والبشر يختفون كل لحظة.. ولن ندرك ما فاتنا من علاقاتنا مع من نحب.. إلا بعد فوات الأوان.. فلنسرع إذا.. ولنمسك نحن بزمام المبادرة.. للإفضاء عن حبنا وشوقنا.. وكل دفقات المشاعر التي تعترينا..

والله مع الجميع.

شاهد أيضاً

مؤسسة عير عميم : اسرائيل هدمت منذ بداية الحرب 141 منشأة بالقدس الشرقية

شفا – أكدت مؤسسة حقوقية إسرائيلية أن نسبة هدم المنازل في القدس الشرقية تضاعفت خلال …