2:38 صباحًا / 29 مارس، 2024
آخر الاخبار

يقظة من حلم الدنيا فلسفة قانونية بقلم : رشا السرميطي

كم من حالمٍ وحالمةٍ استيقظوا اليوم؟
قال تعالى: «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين».البقرة 155. خرجوا كعصافير الشِّتاء، يغرِّدون عذوبة المطر، غادروا أعشاشهم يلعبون مع الغيم، فرحين بهذا الصّباح، فاليوم رحلة ! تراكضوا بخفة فراشات الربيع، وتسابقوا نحو الحافلة يستنشقون السعادة بنهم الظامئين المشتاقين لها، مستبشرين بفرح ولكن من نوع آخر، يحملون حقائبهم المدرسية، التي ملؤوها بأشهى الطعام، وأفرطوا بجمع أنواع الحلوى والسكاكر، وكأنَّها آخر مرة سيتلذذون بطعم الشوكلاتة. لم يعلموا أنَّهم قد خرجوا للجهاد، ونيل الشهادة في سبيل الله، ولم يفكر آباءهم ولا أمهاتهم أنها الثَّواني الأخيرة من أعمارهم قبل الوداع. نبتت على محياهم ابتسامة عريضة، وتفتحت إشراقة الشمس في عيونهم البريئة رغم الإحتلال. هؤلاء الأبطال الذين لم تتجاوز أعمارهم الست سنوات، اعتادوا أن يكتبونا فصولاً من الفرح في كراسة اليوم، وكم علَّمونا كيف نشعر بالهناء، رغم بساطة الحدث وضآلة الشعور، وازدحام النكبات. كلَّما استيقظنا، فثمَّة نهار جديد، هكذا، قرَّروا أن يتحدوا هذا اليوم ويذهبوا جميعاً، إلى الهاوية؟! نسوا عمداً أقلامهم والدفاتر البيضاء التي مثل أرواحهم وقلوبهم النَّقية، وأورثونا وصية: أن املؤها بما سيشهد علينا غداً.

أيُّ رحلة يا قرّاء الواقع المهين؟ لو كنَّا نعلم بأنّها رحلة إلى الموت، لما أخرجناكم من ديارنا، والله لو علم الغيب أيٌّ من البشر ما سيحدث لأوقف أحد منَّا الحافلة، لأشغلنا السائق، لعطَّلنا العجلات، ومنعنا هذه الفاجعة العظيمة التي حلت بفلذات أكبادنا، ذريعة – لو – التي ضيَّعت منا بقية فلسطين، هيهات لأحد أن يستقرأ القضاء قبل وقوعه، سبحان الله العليم الخبير الذي تفَّرد بهذا العلم، حكمة منه سبحانه.

وحده الموت الذي تكسرنا لكمته الأولى، فتطرحنا أرضاً بلا حراك، تثقل النُّفوس بزيارته، فيضيق الصَّدر، ويزيد الكدر، كأنَّها الضربة القاضية، تباغت جذور القوة فينا، ولا يُجلى الألم إلاَّ باحتساب الصَّبر. ارفعوا أكفكم معي ورددُوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، لنبتلع الألم، ولنرضى المذاق اللاذع، لنجفف مآقينا من الدَّمع عليهم ولنبكي على أنفسنا – لنستيقظ معاً – ونغسل وجوهنا برحمة الله فينا، أن أمهلنا يوم آخر على هذه الأرض أحياء، نستطيع به أن نغيِّر العديد من الأشياء الخاطئة في داخلنا ومن حولنا.

عن أبي زيد أسامة بن زيد حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه وابن حبه، رضي الله عنهما ، قال: أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم : إن ابني قد احتضر فاشهدنا، فأرسل يقري السلام ويقول: (إن الله ما أخذ وله ما أعطي، وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب) فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتيها فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال رضي الله عنهم، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي فأقعده في حجره ونفسه تقعقع، ففاضت عيناهن فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده، وفي رواية: في قلوب من شاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء- متفق عليه.

من المسؤول؟ سؤال عظيم منذ وقوع الحادث يرتدُّ صداه لخلايا عقلي البحثية، ويجبرني على الكتابة وتقصي الحقيقة، في قضية لا أملك فيها إلاّ الصَّمت ملاذاً على بقاع الورق، ولا يرضيني لأرواح هؤلاء العصافير أن أسَّكن نفسي بلا كتابة، أحدِّث فيها ذوي الشَّأن، من المسؤول؟ أيها الصمُّ البكم: يا وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، يا مدرسة نور الهدى بكامل كادرها التعليميّ، يا أُسراً أُزهقت أرواح أبنائها بثمن بخس، أناديكم جميعاً وأستصرخ الضمائر في داخلكم، إن كانت حيَّة، بأصوات الرَّاحلون، البريئون، الطَّاهرون، الذين صاروا بين يدي الرَّحمن في جنة لا تحوي دنس الإنسان الملطخ فيكم، من المسؤول كي نحاسبه ويدفع الثَّمن؟ بأكثر من قضية تطوى ملفاتها وتدس في صندوق كُتب عليه: لم يتم العثور على أيِّ متهم ! من المسؤول الذي تدجج بقضاء الله وأباح القتل عمداً، متستِّراً خلف جيوش الصَّابرون المؤمنون بقضاء الله، الذين إن أصابتهم مصيبه قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون.

سؤال أستودعه للقرَّاء، ولا أريد عليه جواباً ! ليحتفظ كل منَّا باجابته السِّريَّة: من المتَّهم يا قضاة القلم؟

رفعت الجلسة،

أيام قليلة وتصير قضية منسيَّة مثل بقية كثيرة نُسيت !

رشا السرميطي

شاهد أيضاً

شهداء وجرحى بقصف اسرائيلي على قطاع غزة

شفا – استشهد وأصيب عشرات المواطنين، الليلة، في غارات شنها طيران الاحتلال الإسرائيلي على أنحاء …