
شفا – من على كرسيه المتحرك ينادي محمود سعيد أبو فول (28 عاما) شقيقه الأصغر كي يناوله كأسا من الماء، فقد انقطعت العلاقة المباشرة وبينه وبين الأشياء من حوله، بعد أن فقد بصره جراء التعذيب الذي تعرض له في سجن “سديه تيمان” الإسرائيلي، قبل زهاء 10 أشهر.
طوال فترة الاحتجاز كان أبو فول ومئات الأسرى، الذين رآهم، تحت تعذيب شديد، وأقسى اللحظات كانت عندما فقد بصره، حيث ضربه أحد جنود الاحتلال بكراس حديدية، بعد شهر ونصف من الاعتقال، كما قال.
“فقدت بصري عندما أمسك جندي برأسي وضرب جبهتي في مقعد حديدي عدة ضربات، رأيت ما أشبه بضوء أبيض، ومن بعدها لم أر النور حتى الآن،” قال أبو فول.
وأشار أنه بعد تلك الضربات أغمي عليه، فلم يعد يعي ما حوله، وبعد أن أفاق لم ير شيئا، فاعتقد أن المسألة عدة ساعات أو أيام ثم يعود بصره، لكن الأمر تفاقم.
وقال، إن جفون عينيه التصقت ببعضها بشكل غريب ولم يعد يستطيع فتحهما، ويسيل منهما من وقت لآخر دم ودموع، وبات لهما رائحة كريهة.
وأبلغ السجناء إدارة السجن، فأرسلوا شخصا فحصه وقال له “لا مشكلة،” ثم أرسل له مرهما وقطرة للعينين.
“طوال فترة الاعتقال استلمت مرهما مرة واحدة وأكثر من مرة قطرة لكن لم أستفد شيئا،” أوضح لمراسل وفا.
وأشار إلى إنه يشكو من ألم دائم في العينين والرأس “أشعر بتيار كهربائي ينزل من رأسه لعينه اليسرى، “ألم لا يطاق مع صداع دائم.”
ويقطن أبو فول في خيمة بقرية الزوايدة مع أهله الذين نزحوا إليها تحت وطأة القصف الشديد من مدينة غزة التي نزحوا إليها من بيت لاهيا شمال غزة، بعد دمار بيتهم.
وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلته وأكثر من 200 من الطواقم الطبية والنازحين في مستشفى كمال عدوان، المجاورة لبيته، في 27 ديسمبر 2024، بعد حصار عدة أسابيع للمستشفى التي لجأ إليها بسبب اعاقته البدنية.
اقتاد جنود الاحتلال المواطنين إلى مدرسة الفاخورة التي حولوها لمقر عسكري، وهناك قضوا ليلة تعذيب حتى فجر اليوم التالي في البرد الشديد، ثم إلى قاعدة عسكرية قرب قرية هِرِبيا “زيكيم” وهناك سلبوا منه عكازيه، فلم يعد يقوى على التحرك بساق واحدة طوال فترة الاعتقال التي استمرت 10 أشهر.
وكان أبو فول يستخدم عكازين بعد أن بُترت ساقه قبل 12 عاما في قصف الاحتلال مخيم جباليا شمال قطاع غزة.
وأشار أبو فول أن كل أصناف العذاب البدني والنفسي كانت بين جدران معتقل “سديه تيمان”، فهو نفسه تعرض لضرب على العمود الفقري واهانات لا تطاق رغم اعاقته البدنية، فكان الطعام يُقدم للأسرى وأيديهم مقيدة، ويجبرهم جنود الاحتلال أن يتناولوا الطعام بأفواههم، دون استخدام الأيدي.
“لقد تبولوا على أسرى وهددوهم بقتل أهلهم وأطفالهم، واستخدموا الدبابيس لوخز العضو الذكري،” قال لمراسل وفا.
وقال سعيد أبو فول (57 عاما) والد محمود، “إنهم عادا للتو من لقاء طبي مع أخصائي أوضح لهما أنه حتى الآن لا يمكن تشخيص حالة العينين دون فتحهما.
وأضاف والده أنه في شح المعدات الطبية عموما والمعدات الدقيقة، سيما الخاصة بطب العيون فإن أي عملية ينتابها مخاطر.
يوجد أجهزة تقنية تسمح بإجراء عملية جراحية فقط لفتح العينين، لكن ستجتهد الطواقم الطبية لعمل أي شيء للتشخيص.
وكانت قوات الاحتلال قد أفرجت عن أبو فول في الثالث عشر من أكتوبر الماضي، ضمن 1700 أسير أفرج عنهم في إطار اتفاق وقف إطلاق النار.
لا تبعد خيمة أبو فول عن مكب نفايات، ولا الروائح الكريهة، فلا ترف انتقاء مكان للخيمة أو ايجار بيت، فيجلس في مكان لا يكف الذباب عن مضايقته، ولا يستطيع التحرك بحرية، فكرسيه المتحرك محاطا بأوعية وغالونات ماء ملئت احتياطا وسط أزمة المياه التي يعانيها القطاع.
ويقول أبو فول: إنه بعد أن فقد بصره فقد الكثير من “الأشياء الجميلة” التي اعتاد على رؤيتها أو أن يقوم بها وانقلبت رأسه على عقب ويشتاق إليها.
“أشتاق لوجه أمي وأبي واخوتي وأخواتي وأقاربي وأصدقائي… أشتاق لرؤية الطعام والشوارع والرمل والسماء،” قال أبو فول وهو يرفع رأسه للسماء.
كما عبر أبو فول عن آلامه لأنه لم يعد يستطيع أن يقوم بالكثير من تفاصيل حياته لوحده، كما اعتاد من قبل.
“أريد أن أتناول الطعام لوحدي وأدخل الحمام وأمشي في الشارع لوحدي مللت من الاعتماد على الآخرين ولا أحب أن أكون عالة على غيري” قال بنبرة لم تخل من يأس، بيد إنه لم يفقد الأمل وبانتظار أي جهة تساعده للعلاج لاستعادة بصره سواء داخل أو خارج الوطن.
ويعتقد والده أنه ورغم مرارة فقدان ابنه لبصره فهو نوعا ما أقل ألما من غيره من الآباء الذين استشهد أبناؤهم تحت التعذيب في سجون الاحتلال.
“تسبب الاحتلال في بتر ساقه، ثم أفقدوه البصر، ودمروا البيت، كل ذلك ألم قاهر لن يخففه إلا من يساعد في استعادة بصره.” أضاف والده.
وبلغ عدد الشهداء الأسرى الذين تمّ الإعلان عنهم 77 شهيدًا، استُشهدوا نتيجة عمليات التعذيب والتجويع والحرمان من العلاج، خلال عامين من العدوان على غزة (7 أكتوبر 2023 و7 أكتوبر 2025) وفقا لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني.
وأضاف المركز في تقريره الذي استند في تقريره لمعلومات “هيئة الأسرى والمحررين” و”نادي الأسير الفلسطيني” أن هذا العدد هو فقط لمن تمّ الكشف عن هوياتهم في حين لا يزال العشرات من معتقلي غزة الذين استُشهدوا رهن الإخفاء القسري.
وحول آلاف المعتقلين الذين تحتجزهم قوات الاحتلال في معتقلاتها المختلفة، ما بعد السابع من أكتوبر، قال محمود أبو فول إنه تنقّل بين ثلاثة معتقلات “سديه تيمان” و”عوفر” و”النقب”، ومعظم من التقاهم تم اعتقالهم على حواجز الاحتلال في غزة، أو من بيوتهم، أو من مراكز لجوء النازحين، لكن بلا محاكمة ولا قضاء، لأنه لا قضايا عليهم كما حصل معه.
ويتعرض الأسرى في سجون الاحتلال للقتل والتجويع والتسبب المتعمد في نشر الأمراض والأوبئة والحرمان من العلاج، والاعتداءات الجنسية التي وصلت إلى حد الاغتصاب.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .