
شفا – أصدرت الحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي والائتلاف التربوي الفلسطيني بيان بمناسبة اليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات جاء فيه :
يصادف اليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات الذي قررته الأمم المتحدة عام 2020، مناسبة لتذكير العالم بأن التعليم في فلسطين ليس مجرد فعل تعليمي، بل هو فضاء وجودي تتلاقى فيه الحقوق بالوعي، والكرامة بالرسالة، والهوية بالصمود. وان المدارس الفلسطينية، والجامعات والمؤسسات الأكاديمية في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، تتجاوز حدود المباني والجدران لتصبح حصوناً متقدة للوعي، ومشاعل مقاومة تتوهج في ظلام القمع، ومنارات للحرية التي لا تنطفئ. فيها يُنسج الفكر الوطني بخيوط الإصرار، وتُحفظ الذاكرة الجماعية بصدق، ويستمر التعليم كفعل تحرري يدافع عن حق الإنسان الفلسطيني في الحرية والسيادة والعدالة الاجتماعية، ويعيد صياغة معنى الانتماء والوجود في وطن ينهض رغم محاولات الطمس والتفتيت، حاملاً شعلة الأمل والوعي عبر أجيال تتوارث الحلم بالحرية كحق لا يُسلب، ولا يُشترى، ولا يُقايض.
يمارس الاحتلال سياسة الاستهداف المباشر والتفتيت الإداري والفلسفي بأسلوب متقن، عبر الحواجز وتقسيم المناطق أ/ب/ج، وإعادة رسم الخرائط التي تكبل حرية الحركة وتنسج قيوداً على تفاصيل الحياة اليومية. في شمال الضفة الغربية، خصوصاً في جنين وطولكرم والمخيمات، تُفرَض سياسات التهجير القسري وتشتيت السكان، لتتآكل الروابط الوطنية ويعاد تشكيل الوعي الجمعي. أما في غزة، فتستمر حرب إبادة منظمة تشمل القتل والتشريد، وتدمير المدارس والمؤسسات الأكاديمية والجامعات والمستشفيات والبنى التحتية، فتبدو الحياة اليومية مرآة للقهر الممنهج. وهذه الاعتداءات تستهدف الأرض وتقطيع أوصال الوطن الفلسطيني، ويسعى من خلالها الاحتلال إلى احتكار المعنى وإعادة تشكيل الوعي الوطني.
إن محاولات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة لاستهداف الأونروا وعرقلة عملها، بما في ذلك محاولات إلغاء دورها المنصوص عليه في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 302، تشكل هجوماً مباشراً على حق التعليم وعلى الكرامة الوطنية الفلسطينية وحق العودة، وان استمرار خدماتها التربوية يمثل التزاماً قانونياً وحقوقياً لا يحتمل التأجيل، ويؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تعليم نوعي ومنصف لجميع الطلبة دون تمييز، صوناً للهوية والمواطنة. والابقاء على وجود الاونروا يعتبر الحصن الراسخ لضمان التعليم في المخيمات، والحفاظ على الهوية الوطنية، وترسيخ وعي الطلاب بحق العودة.
نؤكد ان المعلمين والتربويين هم حاملو الرسالة وصانعو الوعي الوطني، وحقوقهم في العيش الكريم والظروف المهنية العادلة تشكل العمود الفقري لاستمرارية التعليم، ولصمود المجتمع الفلسطيني أمام الاحتلال وقرصنة الأموال والأزمات المتلاحقة المتعددة، بما تشكله من تهديد مستمر للمدارس والمسيرة التعليمية، وان ذلك لا يعتبر مجرد تحدٍ مؤسسي، بل خطراً وجودياً على مستقبل الأجيال وهوية الأمة.
إن الحق في التعليم المنتظم، النوعي، والمنصف لجميع الطلبة ليس مجرد مطلب إداري، بل حق إنساني وجوهري، وركيزة للكرامة والحرية والسيادة الوطنية، لا يمكن التنازل عنه، ويجب أن يشمل كل الأطفال دون تمييز ديني، عرقي، أو اجتماعي، مع ضمان مناهج تربوية شاملة، تحاكي السياق الفلسطيني، وبيئات تعليمية آمنة، وكادر تربوي محترف، ما يحفظ استمرارية التعليم ويبقي جذوة المعرفة والوعي متقدة، ضد محاولات الطمس وتجريد الإرادة، وضد كل استراتيجيات التهميش.
في ضوء ذلك، يُجدّد الائتلاف التربوي الفلسطيني والحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي دعوتهم للمجتمع الدولي، ومؤسساته الحقوقية، بما فيها اليونسكو، للاضطلاع بمسؤولياتهم الأخلاقية والقانونية، وممارسة ضغط حقيقي وفاعل على الاحتلال لوقف كل أشكال الاعتداء على المدارس والمعلمين والمؤسسات الأكاديمية والجامعية، وضمان بيئة تعليمية آمنة ومستقرة تتسع للحق في التعلم كفضاء للحرية والكرامة. كما نؤكد على حماية واستمرار خدمات الأونروا التربوية والحفاظ على دورها كما نص عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 302، ورفض أي محاولات خبيثة لإلغاء التعليم العام أو دفعه نحو الخصخصة وتقليص التمويل، بما يحافظ على حق كل طالب فلسطيني في تعليم نوعي، منصف، وشامل. وندعو إلى العمل على تعويض الفاقد التعليمي الناتج عن الحصار، الاعتداءات، وحالات الطوارئ والأزمات، وضمان دعم المعلمين وتمكينهم من مزاولة مهامهم بحرية تامة، وتأمين حقوقهم المهنية والاقتصادية، فهم حراس الهوية، وسفراء الوعي الوطني، وضمانة استمرارية الحياة التعليمية كفضاء مقاوم للظلم والاستعمار.
إن صمود التعليم الفلسطيني هو معركة وجودية تتلاقى فيها الحرية بالكرامة، والحق بالوعي، والمستقبل بالهوية، وحماية التعليم النوعي والمنصف هي حماية للمستقبل، وصون للهوية، وإعلاء للكرامة الجماعية. وان كل المعوقات امام مسيرة التعليم لا يمكن ان تقهر إرادة الشعب الفلسطيني، القادر على ان يعيد صياغة الحرية والسيادة والمعنى الوطني.
رام الله، 9/9/2025
الائتلاف التربوي الفلسطيني
الحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي