
الهولوكوست الممنوع إنكاره .. والمجاعة المُنكَرة في غزة ، بقلم : فادي قدري أبوبكر
تجاوز عدد الشهداء في حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة ضد قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 ثلاثة وستين ألف شهيد وأكثر من مئة وستين ألف جريح، فيما تحتجز إسرائيل جثامين نحو ألف وخمسمئة شهيد في الثلاجات ومقابر الأرقام، في انتهاك فج لحقوق الضحايا وأسرهم. لكن الكارثة الإنسانية لا تقف عند الدماء المسفوكة، بل تمتد إلى سياسة تجويع ممنهجة تضع سكان قطاع غزة أمام خطر المجاعة الجماعية التي صنفها تقرير خبراء الأمم المتحدة ضمن المرحلة الخامسة، وهي أعلى درجات التصنيف المرحلي لانعدام الأمن الغذائي.
اعتمدت إسرائيل منذ بدء حرب الإبادة سياسة تقوم على قطع المياه والكهرباء، وتدمير الأراضي الزراعية، ومنع دخول المساعدات، واستهداف مخازن ومراكز توزيع الغذاء، ما أدى إلى تفاقم سوء التغذية بين الأطفال وارتفاع الوفيات الناجمة عن الجوع والأمراض في ظل انهيار شبه كامل للنظام الصحي. وقد حذرت الأمم المتحدة بوضوح من أن المجاعة ستشمل معظم مناطق القطاع خلال أسابيع إذا استمر الحصار ولم يُسمح بإدخال المساعدات بشكل عاجل.
ورغم هذا الواقع الموثق بالأرقام والشهادات، تتبنى إسرائيل خطاباً ينكر وجود المجاعة أو يقلل من خطورتها، مدعومة بموقف أميركي رسمي يرفض الاعتراف بالجريمة. ويُذكّر هذا النمط من الإنكار بما عرفه العالم مع إنكار الهولوكوست (الإبادة النازية لليهود)، وهو ما يتكرر اليوم مع حرب الإبادة والتجويع في غزة ولكن بصورة معكوسة، إذ باتت “الضحية” التي نجت من إبادة الماضي تمارس الإبادة بحق شعب آخر، ثم تسعى مع حلفائها إلى إنكارها وتبريرها.
تواصل الولايات المتحدة الامريكية، توفير الغطاء السياسي والعسكري لإسرائيل، وتشاركها في إنكار المجاعة بهدف التغطية على جريمة تجويع المدنيين، ومن شأن هذا الموقف وجوباً أن يزيد من عزلة واشنطن الدولية، كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل، التي تواجه عزلة متنامية ومقاطعة عالمية واسعة، مع تزايد القناعة بأن ما يجري في غزة هو إبادة جماعية وتهجير قسري.
إن إنكار المجاعة في غزة جريمة مضاعفة تضاف إلى جريمة الإبادة ذاتها، فمحاولات التشكيك في التقارير الأممية أو اتهامها بالتحيّز لا تخفي حقيقة أن الفلسطينيين يواجهون خطر الزوال المادي والمعنوي. وكما كان إنكار الهولوكوست أداة لتبرئة المجرمين وتقويض ذاكرة الضحايا، فإن إنكار المجاعة اليوم يهدف إلى شرعنة استمرار الإبادة وتطبيع جرائم الاحتلال.
إن ما يجري في غزة يؤكد أن الإنكار هو استمرار للجريمة بوسائل أخرى. وبينما يقف العالم أمام اختبار تاريخي، يبقى المطلوب تحركاً عاجلاً لا يقتصر على وقف القتل والتجويع والحصار، بل يفرض مساءلة حقيقية للمسؤولين عن الإبادة ويفضح كل محاولات إنكارها، تماماً كما واجه العالم إنكار الهولوكوست، فترك الإنكار بلا رد هو تمهيد لجولات جديدة من الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.
- – فادي قدري أبوبكر – كاتب وباحث فلسطيني