2:28 مساءً / 19 أبريل، 2024
آخر الاخبار

كأنك يا أبوزيد ما غزيت بقلم : ثريا الشهري

كعادة القراء في توجيه الأسئلة، وردني على بريدي الإلكتروني استفسار ملخّصه عبارة واحدة: ماذا تريد المرأة العربية من الديمقراطية؟ ولأن الإجابة تستحق المحاولة، فلنفكر معاً، ماذا تريد امرأتنا؟ هل تريد حرية التعبير في الإعلام وأن يكون صوتها مسموعاً؟ ولكن قبل الصوت ألا ينبغي أن تحصر مطالبها! إذاً هل تريد أن يُدرج اسمها ضمن قائمة مرشحي الحزب، فماذا إن انتخبت وتحولت إلى مجرد رمز في التشكيل الحزبي لتحقيق «مظهري» بالسعي نحو المساواة بين الجنسين؟ أم تريد مثلاً أن يعهد إليها بأمر العمل الاجتماعي؟ للوزير اللبناني السابق جورج قرم في هذا الخصوص قول جاء فيه: «لا تعرف الفئات الاجتماعية العربية المختلفة ماذا تريد من الديمقراطية، عدا عن أنه لا يُكترث برأيها الحقيقي»، وكذلك نقول: ولأن المرأة العربية لا تعرف ماذا تريد، وبالتالي لا تعرف كيف تتقدّم إلى ما لا تعرف، فإنه لا يُكترث برأيها ولا بخطواتها غير الموحّدة.

فإن اعتبرنا مطالب المرأة سياسية من حيث المبدأ والتنظير، فهل تقوم من حيث التطبيق بمستوى الجهد بالعمق والكفاية التي يفترض أن يضطلع بهم الرجل في المجال نفسه؟ فإن اعتبرنا أن مطالبها اقتصادية، فهل ساهمت بفعالية في عملية الإنتاج باتجاه أهداف الاستقلال والتنمية والوحدة في المجتمع؟ باختصار، المرأة لا تقدِّم من جهد ومن تنظيم إرادات نسوية ما يساوي حجم مطالبها، ولا ما يُقارب الحقوق بالواجبات، هي تقدِّم ولاشك كل الجهود ولكن في حدود أدوارها الفطرية كأم وزوجة، إنما نحن نتحاور هنا حول جوهر العمل والتعامل مع الشأن العام، مع بنود التنمية الوطنية، لا مع مساحة محدودة لا تتعدى البيت والأهل، لذلك هناك دائماً من يتردد في الاعتماد على مقومات النساء العربيات في العمل العام بشكل شمولي؟ وكأن في هذا التردد خوفاً مبطّناً باحتمالية أن تتصدر للدفاع عن المرأة، فتأتي هذه المرأة وتخذل حماستك لها، وهو أمر وارد وحصل ويحصل، ولكن إن كنا منصفين، فحتى الرجل خذل الجميع.

ومع هذا لا يمكن أن نجمع نساء العرب في سلة واحدة، فمن امرأة خبُرت في بلادها الخروج للعمل بفروعه الواسعة منذ أكثر من سبعين عاماً، إلى امرأة لا تزال تلاحق إن عملت كاشيرة وإلى يومنا هذا، فلا تقارن تجربة المتمرّسة بغير المتمرّسة وإلا نكون قد ظلمنا الاثنتين معاً، فالجدية هنا غير الجدية هناك، والنتائج هنا غير النتائج هناك، ومع ذلك فحتى التي بدأت بالعمل منذ منتصف القرن الماضي، تراجعت مكاسبها في هذا القرن، أو بالأدق ما عشنا منه، فما شهدته أيامنا أن المرأة التي تحظى بمركز مالي وسلطوي معين هي التي تحصل على المزايا السيادية في المجتمع، فهي القادرة على إنشاء الجمعيات والمؤسسات، وهي التي تُقدم لها التسهيلات، ليتقزم العمل إلى زعامة نسوية وتلميع إعلامي ووجاهة مجتمعية، فتُقتصر الفائدة على فئة أو طبقة معينة لها مصالحها المفروضة على باقي الفئات، ولا مانع لو كانت امرأة هذه الطبقة بقادرة على توظيف إمكانات طبقتها والدفع بها لخدمة الصالح العام، إنما المضمون الحقيقي على الأرض قد برهن على وقوع قصص أخرى مغايرة ومعاكسة، لتكون النتيجة ألا يُكترث برأي امرأة تُعلي من سقف المطالب، فإذا بها تصب في حجرها الشخصي آخر النهار.

وضوح الرؤيا، ثم الإخلاص في سبيل تحقيقها، والتركيز الشديد على مراجعة الأهداف هو ما تحتاجه المرأة في مرحلتها الحاضرة، فالمستقبل مرهون بالحاضر، والمرأة العربية، والشعوب العربية بعمومها لا تئن إلى الديمقراطية قدر أنينها إلى تنمية مستمرة وإدارة بإرادة تدير هذه التنمية، فلو تحقق شرطا التنمية والإدارة فمن الطبيعي أن يتبدّل الوعي العام ويتعمّق، وستكون الديمقراطية حينها نتاجاً متوقعاً لارتفاع وتيرة هذا الوعي، أمّا تصورنا الديمقراطي بعيداً عن تصورنا الأوّلي التنموي والإداري فهو ترف ولغو، وفرصة تتيح لبعض المحظوظين التمتع بالامتيازات المادية والمعنوية، وكأنك «يا أبوزيد ما غزيت.

شاهد أيضاً

وفد من وزارة الثقافة يزور جامعة القدس المفتوحة في الخليل

شفا – زار وفد من وزارة الثقافة في محافظة الخليل ضم كلا من الأستاذ رشاد …