8:38 صباحًا / 26 أبريل، 2024
آخر الاخبار

بسم الدين وبسم العلم…نخون الوطن بقلم : عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الوطن هو الأرض التي يعيش عليها ومنها جميع من ولدوا لآباء وأمهات يعيشون على ومن الأرض نفسها. أرض الوطن هي منبت ومصنع أجساد جميع من ولودوا وعاشوا فوقها، ليدفنوا فيها بعد، أو قبل، انقضاء أعمارهم. تراب الوطن هو من تراب أجساد أجدادنا وآباءنا بعدما تحللت. منذ آلاف السنين، هذا التراب المقدس يرتوي بماء نهر النيل الخالد، ليثمر أحلى وأغنى الثمار، ليلفت إليه أنظار الطامعين والمغامرين من كل حدب وصوب. هذه الثمار هي نبت التربة الخصبة من شحم ولحم وعظم من دفنوا في جوف هذه الأرض المثمرة. من يفرط في ثمار هذه الأرض، لا يفرط فقط في القطن والأرز والبصل والثوم والقمح والفاكهة، إنما يفرط، ربما دون أن يدري، في تراب أجساد أجداده وآبائه، تربة وسماد هذه الثمار اليانعة. كل من يرى، أو يسمع عن، أناس قادمون من أرض غير هذه الأرض، طامعون، تحت أي الذريعة كانت، في ثمارها وخيراتها ولا يقاوم هذا المعتدي، بيده أو بلسانه أو بقلبه على الأقل، هو خائن لا محالة لهذه الأرض وناسها الطيبين.

 

سوف أتعرض في هذا المقال لنوعين من خيانة الوطن: الخيانة باسم “الدين”، والخيانة باسم “العلم”. هنا سوف أقصر الفئة الأولى من الخيانة على من أسميهم مجازاً “الخونة الإسلاميين”، رغم أن هذه الفئة الدينية تتسع لخونة كثيرين من قبلهم على امتداد التاريخ المصري قبل الغزو العربي بآلاف السنين، وتشمل أيضاً “الخونة المسيحيين” المعاصرين للفتح العربي والموجودين حتى اليوم، وهم كل هؤلاء الذين غلب انتمائهم الديني على انتمائهم للأرض التي يعيشون من خيرها، بما يجعلهم، ولو في نطاق المشاعر والأماني، على استعداد للتضحية بالأرض نصرة للدين. أما “الخونة العلمانيين”، وعلى الرغم من أن هذه الفئة العلمانية تضم أيضاً خونة آخرين كثيرين قبلهم على نفس الامتداد من التاريخ المصري، إلا أنني سوف أقصرها هنا على تلك الفئة القائمة منذ غزو نابليون بونابرت لمصر أوائل القرن التاسع عشر التي أيدت هذا الغزو وتحمست له بداعي نشر العلم والتنوير والتقدم والمستمرة إلى اليوم في المنادين بالتشبه الأعمى بالغرب وتقليديه والسير في ركابه ولو كان على حساب استقلال الأوطان. السبب الرئيسي الذي يجعلني هنا اتهم هاتين الفئتين بالخيانة هو أنهم يقدمون على تراب الوطن غاية أخرى، مهما كانت عظيمة ونبيلة في وجهة نظرهم، بما يجعلهم يتعاطفون ويتوحدون مع الوافد الأجنبي الغازي ضد أبناء وطنهم، حتى لو كان الحدث الأصلي قد وقع وانتهى قبل آلاف السنين؟

 

بحكم التماس الجغرافي والتبادل التجاري والثقافي الدائم، ربما كان “الخونة الإسلاميون” منتشرون بالفعل على التراب المصري قبل مجيء الغزاة من جزيرة العرب. يقال إن القائد الفاتح نفسه، عمرو بن العاص، كان يتردد على مصر في رحلات تجارية قبل الغزو، وكان هو المحرض الرئيس لبني وطنه من القبائل العربية على غزو مصر لعلمه ما بها من كنوز وخيرات وما تشكله من أهمية إستراتيجية وتموينية لمشروعهم التوسعي. لكن ذلك لا يجعل منه، ولا من بني وطنه، خونة لوطنهم. بل على العكس، هم أبطال حقيقيون لوطنهم، ببساطة لأن وطنهم هذا ليس مصر، إنما جزيرة العرب التي يجلبون لها الفتوحات والثروات والمجد. الخونة هم المتآمرون ضد أوطانهم، هؤلاء المصريون الذين أعانوا ولم يصدوا الغزاة، أو لا يزالون فرحون ومهللون بهم حتى اليوم. صحيح أن مصر وقت الغزو العربي لم تكن دولة مستقلة يحكمها المصريون أنفسهم، لكن ذلك لا يمنع من الرمي بالخيانة من تعاطفوا وتعاونوا مع المحتلين الرومان، مثلما مع الفاتحين العرب. كلهم متساوون في الخيانة، لأنهم تحالفوا مع أجنبي، أياً كان وأياً كانت ذرائعه، ليمكنوه من الاستيلاء على تراب وطنهم وخيراته.

 

لا أجد عيباً أبداً في أن أحب وأعتنق ديناً ما، أي دين، وأعظم وأمجد كتبه ورسله ورجالاته وفقهائه العظام، وألبس زيهم وأتعلم لغتهم وأتشبه بهم وأسمي بأسمائهم أبنائي وشوارعي ومدارسي. كل ذلك لا يستدعي الغزو وسفك الدماء. المؤكد أن لا علاقة مباشرة بين الاحتلال العربي المسلح وبين انتشار الإسلام وسط أبناء الوطن المصري، حتى لو كان الغزو سرع نسبياً من وتيرة انتشار اللغة والدين. هناك الكثير من الدول الإسلامية الآن التي دخل إليها الإسلام دون أن يقترن بالسيف، مثل اندونيسيا وماليزيا وتنزانيا والصومال وكينيا وروسيا والصين والهند. لذلك، ليس للإسلاميين حجة للاحتفاء بالفتح العربي لمصر على أساس أنه كان الوسيلة الوحيدة لغاية نشر هذا الدين العظيم. إلى هؤلاء أقول إن الدين ما كان سيعدم أبداً سبل الانتشار؛ وإن الغزو كان من أجل الاستيلاء وليس لأي سبب آخر. لذلك كان ينبغي عليكم، ولا يزال، أن تقفوا ضده، ولو بقلوبكم على الأقل. لكن طالما أنكم تتغنون به، وتربطون زوراً بينه وبين نشر الدين، إلى اليوم، حتى لو كان ذلك صحيحاً، تكونون بالضرورة “خونة”، لأنه لا توجد أبداً غاية أعلى وأسمى من الدفاع عن تراب الوطن، حتى لو كانت نشر الدين.

 

كذلك من لا يتصدون، بألسنتهم وقلوبهم على الأقل، إلى الغزو النابليوني لمصر ويعتبرونه سبب النهضة، حتى لو كان ذلك صحيحاً، أعتبرهم أيضاً “خونة” لتراب هذا الوطن. إلى هؤلاء أوجه هذا السؤال: ألم تكن مصر قادرة، كما فعلت أسرة محمد علي باشا بالفعل فيما بعد، على أن توفد الشباب لطلب المعرفة والعلم من أوطان هؤلاء الغزاة، ليعودوا ويعمروا هم بسواعدهم أوطانهم؟ ألم يكن باستطاعة مصر، كما فعلت ولا تزال حتى اليوم، أن تستعين بعلماء وخبراء من تلك الأوطان المتقدمة وتجزل لهم العطاء مقابل جهودهم خيراً من أن تفتح أبوابها لجيوشهم بحجة نشر العلم والتنوير ودحر الظلام والتخلف؟

 

إن طلب العلم، أو طلب الدين، لا يعني أبداً التفريط في تراب الوطن، أو أن يناصر مصريون موسى ونابليون، ضد فرعون والحرافيش.

شاهد أيضاً

مسؤول أممي : إذا أردنا بناء غزة من جديد فسيتطلب الأمر 200 سنة ولغاية اليوم مطلوب 40 مليار دولار

مسؤول أممي : إذا أردنا بناء غزة من جديد فسيتطلب الأمر 200 سنة ولغاية اليوم مطلوب 40 مليار دولار

شفا – قال المدير الإقليمي بالبرنامج الأممي الإنمائي عبد الله الدردري، اليوم الخميس، إن كل …