12:13 مساءً / 24 أبريل، 2024
آخر الاخبار

لعنة الولادة بقلم : ابراهيم هيبة

في كل مرة انتهي فيها من قراءة جريدة، تترسخ لدي القناعة بأنه لا يجب أن أنجب أبدا. نحن نعيش في عالم ينضح بالبؤس والخشونة؛ وأن يكون المرء السبب في مجيء احدهم إلى هذه الدنيا لهو تصرف أحمق وخطأ لا يغتفر. أحيانا تتملكني الرغبة في أن أكون مثل الآخرين- أي أن أكون أبا- لكن عندما أتأمل فيما تنطوي عليه ذاتي من العيوب والإختلالات، أحمرّ خجلا من إمكانية نقلها إلى خلف محتمل. ولادة المرء في هذا العالم كارثة ما بعدها كارثة. وفي كل مرة انظر فيها إلى عيني طفل بريء، أقول في نفسي:”كم ياترى من الآلام والأحزان تنتظر هذا المسكين في الطريق؟ !” وهكذا فلا يقبل بلقب الأبوة إلا شخص خشن أو صاحب قلب متحجر.

في صبيحة أحد الأيام كنت في عيادة لطب الأسنان، وبينما كنت في غرفة الانتظار، كان يجلس بالقرب مني طفل في العاشرة من عمره ومعه أمه بجانبه. كان الطفل يتلوَّى من شدة الألم الذي كان يحدثه ضرسه المريض؛ وأنا انظر إلى ذلك المشهد قلت في نفسي : ” لماذا كل هذا الألم؟ ماذا فعل هذا البريء ليمر بكل هذا الجحيم؟” بعد تفكير عميق وتأمل طويل فيما كان يحصل، توصلت إلى جواب مبدئي وبسيط: إنه يتألم لأنه وُلد. في الحقيقة، يجب أن أقول بان هذا الجواب هو الذي أسعفني في الإجابة عن كل الأسئلة التي طرحتها على نفسي في ليالي الأرق وأيام المرض.

عندما كان يهجرني النوم وأبدأ في عد الثواني والدقائق، أو عندما كان يعذبني عضو من أعضائي، أسأل نفسي: “لماذا كل هذا العذاب؟ لماذا يجب أن تكون ذاتي مسرحا لكل هذه التمزقات؟” ويجبني صوت خفي يصعد من أعماق ذاتي قائلا: ” أنت تتعذب لأنك ولدت، أنت تتمزق لأنك أتيت إلى هذا العالم.”

بوذا على حق:”الولادة معاناة”، ومعها يبدأ الوجود الإنساني في التدهور والانحدار نحو المرض والشيخوخة والموت وتفاصيل أخرى في الشر لا تحصى ولا تعد.

من يحدِّق جيدا فيما يحصل في السيرة الذاتية لكل إنسان، من بدايتها إلى نهايتها، لا بد وأن يتوصل إلى الاستنتاج التالي: ولادة المرء لعنة ما بعدها لعنة، والعناية الإلهية هي اكبر خرافة ابتدعتها التيولوجيا. البشر، الآن، يرون البؤس والقسوة في كل مكان ومع ذلك قلما تجد فيهم شخصا واحدا يتخذ من العقم رؤية وعقيدة؛ بل الأنكى من هذا أنهم يقومون بكل شيء من اجل إنجاح الإنجاب والتكاثر، وبهذا يثبتون بأنهم بالكاد يختلفون في شيء عن الكلاب، حيث يخضعون، مثلها، لإرادة الطبيعة بكل خصوبتها الفاحشة وتكاثرها اللامعقول.

لقد انغمست في مجلدات الفلسفة لوقت طويل، لكنني لم أجد ولو حجة واحدة تقنعني بأن الوجود أفضل من العدم؛ بل يمكنني القول بأن المرء يفقد أشياء كثيرة عندما يأتي إلى هذا العالم أكثر منه عندما يغادره. والحق أنه لولا الأنانية وغريزة حفظ النوع، لأتضح لكل واحد منا بأن مجيئه إلى هذا العالم ليس ضروريا على الإطلاق؛ فمن وجهة نظر موضوعية، كل حياة هي إما صدفة أو حادث عرضي. وفي كل مرة أصادف في طريقي شيخا يسحقه المرض أو شابا تشلّه الإعاقة أو طفلا مشردا ينام على الرصيف، لا يتبادر إلى ذهني إلا سؤال واحد: “فيماذا أفاده المجيء إلى هذا العالم؟”

فيما مضى كنت اطرح هذا السؤال على نفسي كلما نظرت في وجه إنسان سيّء الحظ؛ الآن، اطرحه في كل مرة انظر في وجه إنسان حي.

شاهد أيضاً

الاحتلال يقرر إغلاق الحرم الإبراهيمي أمام الفلسطينيين

الاحتلال يقرر إغلاق الحرم الإبراهيمي أمام الفلسطينيين

شفا – قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اغلاق الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، امام الفلسطينيين ومنعهم …