
**قراءة أدبية في نص “شهيدة وطن” لرانية مرجية ، بقلم الناقد : عادل جودة
١/- الثيمة الرئيسية:
الوطن كجسد وكفاح
- يُقدّم النص فلسطين ككيان حي يتجسّد في الإنسان (ميس/ريّا) حيث تتحوّل الفردية إلى رمز للجماعية
الشهادة هنا ليست نهاية بل ولادة جديدة للوطن عبر الجسد والكلمة - التضاد بين العدمية والخلود :
رغم تشويه الجسد (الاحتلال يُشوّه الحقيقة والوجه) تظل الهوية قادرة على أن “تخيف” بالكلمات (الكتاب.المنديل.القصائد)
بناء الشخصية:
ميس بين الواقع والأسطورة - التفاصيل الدالة:
حقيبتها الصغيرة (العادي) مقابل حلمها الكبير (الاستثنائي) وشجر التين (الصمود) والزعتر (الانتماء البسيط)
هذه التفاصيل تحوّل ميس من “طالبة عادية” إلى أيقونة - التحوّل الدرامي:
من الهدوء (“نارٌ تعرف كيف تنتظر”) إلى المواجهة (“هويتي وحدها تكفي لتخيفك”) ثم التماهي مع الوطن (“أنا الوطن…”)
اللغة هنا ترفع الفرد إلى مرتبة الأسطورة.
٣- الرمزية:
الجسد كساحة حرب - العلبة المعدنية:
الأرشيف السري للهوية حيث الرسائل تعويذة ضد الخوف. - المنديل المطرز:
علامة على الحب الأمومي الذي يصبح سلاحًا ضد التهجير - الشوكولاتة:
إغراء الخيانة مقابل إصرار الوفاء لقاء ياسر (العميل/الخائن) هو اختبار أخير لإيمان ميس
٤- اللغة والأسلوب - التكرار الدلالي:
جملة “أنا لست خائفة لكنني وحدي” تُحيل إلى الوحدة كاختيار مقاوم لا كضعف - المجاز القوي:
“نارٌ تعرف كيف تنتظر” (الصبر الثوري) “كل واحد منهم يحمل الله على كتفه” (المقاومة كفعل مقدس) - المفارقة:
الاحتلال يعلن انتحارها بينما الحقيقة أنها “أُعدمت” كشهيدة الكاتبة تفضح آلية صناعة الأكاذيب.
٥- النهاية المفتوحة:
الشتات كامتداد للمقاومة - تحوّل ميس إلى “ريّا” الشاعرة يُعيد إنتاج الكفاح عبر الأدب الكتابة هنا هي استعارة للشتات الذي يحمل الوطن في اللغة
- السؤال المُضمر:
هل يمكن صنع وطن في المنفى؟ النص يجيب:
نعم لكن بثمن التشظي (“غيَّرت وجهها، واسمها”).
تقييم النص
- القوة:
النص يدمج بين الشعرية والسردية ويُحوّل القضية الفلسطينية إلى حكاية إنسانية عالمية. - الضعف المحتمل:
قد يُنتقد لاستخدامه خطابًا بطولياً يُقدّس الشهادة لكنه يتجاوز ذلك بإبراز ثمنها النفسي (الوحدة.التشويه).
الخلاصة:
“شهيدة وطن” نص يُعيد تعريف الشهادة كفعل خلاق حيث تموت ميس كجسد لتحيا كقصيدة
الوطن هنا ليس جغرافيا
بل قولٌ يرفض الانكسار.
تحياتي واحترامي
شهيدة وطن
بقلم: رانية مرجية
لم تكن تحمل سلاحًا.
لم تكن ترتدي كوفية، ولا ترفع شعارات.
كانت تحمل حقيبة صغيرة، وحلمًا أكبر من المسافة بين قريتها وسور السجن.
اسمها “ميس الريان”.
طالبة جامعية عادية، تشبه شجر التين حين يخضرُّ رغم الحصار، وتحب الزعتر أكثر من الحب.
هادئة، لكن في عينيها نارٌ تعرف كيف تنتظر.
كانت تكتب رسائل إلى نفسها، تخبّئها في علبة معدنية خلف الدار،
كل رسالة تبدأ بجملة واحدة تكرّرها كتعويذة:
“أنا لست خائفة، لكنني وحدي.”
في صباح الأربعاء، دخل الجنود القرية.
كسروا البيوت والمرايا والأمان.
أوقفوها في طريقها إلى الجامعة.
فتشوا حقيبتها.
وجدوا كتابًا في “الهوية الفلسطينية”، ومنديلًا مطرزًا بخيوط أمها.
ضحك الجندي وسألها بازدراء:
– “أين السلاح؟”
قالت له بثبات:
– “هويتي وحدها تكفي لتخيفك.”
ألقوا القبض عليها.
وفي التحقيق…
سألوها عن الشباب، عن الأسماء، عن المقاومين.
أجابتهم بهدوء يشبه النصل:
“كل واحد منهم، يحمل الله على كتفه.”
فأطلقوا عليها لقب “المجنونة”.
مرت شهور من العتمة والعذاب.
لم تعترف.
لم تنهار.
لم تتراجع.
وفي ليلة ماطرة، أُخرجت من الزنزانة للتنظيف.
اقترب منها جندي شاب، لم تره من قبل.
قال لها همسًا:
– “ليش ما بتستسلمي؟”
أجابت كمن يلقي وصيته الأخيرة:
– “أنا الوطن… والوطن لا يتراجع، بل يُؤخذ أو يُستشهد.”
تجمّد.
أخرج قطعة شوكولاتة من جيبه.
ناولها إياها، ثم همس:
– “أنا ياسر… ابن عمك.”
شهقت.
كان آخر عهدها به طفلة في العاشرة، قبل أن يهاجر بلا وداع.
قال:
– “أنا عميل. نادم. سأهربك الليلة. فقط لا تموتي.”
وهزت رأسها دون أن تجيب.
في الفجر، عُثر على جثتين قرب السور:
جندي مقتول،
وفتاة فلسطينية مشوهة الوجه،
وبجوارها ورقة مبلّلة بالدم والمطر، كُتب عليها:
“أنا لست خائفة، لكنني وحدي… وهذه وحدتي ثمنها حرية وطن.”
أعلن الاحتلال أنها انتحرت.
لكن الحقيقة؟
دفنت معها جثة فتاة أخرى كانت قد ماتت تحت التعذيب.
ميس؟
لم تمت.
غيّرت وجهها، واسمها، وهويتها،
وغادرت البلاد في شتاتٍ جديد.
في أوروبا، أصبحت شاعرة تُدعى “ريّا”،
تكتب عن “ميس” وكأنها امرأة أخرى، بطلة، أسطورة، شهيدة.
وكل قصائدها تبدأ بالجملة ذاتها:
“أنا لست خائفة، لكنني وحدي.”
وحين سُئلت في أحد المهرجانات الأدبية عن مصدر الإلهام،
قالت:
“ميس ليست شهيدة فقط…
بل وطن استُشهد وقرر أن يُبعث من جديد في جسدي.”