
“مَن أرادك.. مشى على الجمر ليصل إليك” بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
كل الأعذار كاذبة… نعم، كاذبةٌ مهما تنوّعت ألوانها وتعددت أشكالها وتجمّلت بالكلمات. فمن أرادك حقّاً، سعى إليك ولو في آخر الأرض، ولو تعثّر ألف مرّة، لوقف من جديد يهرول نحوك بقلبٍ لا يعرف التخاذل ولا الأعذار.
تأمل ميسي، الأسطورة الذي وقفت له الملايين تصفق، يعلو اسمه في سماء المجد، وتضج المدرجات بهتاف اسمه، ومع ذلك، اختار أن يترك الضجيج، ويكسر دائرة المجد، ليفتح كاميرا هاتفه ويتصل بزوجته، يحتفل معها وحدها، لأنها هي وطنه في لحظة النصر. تلك اللحظة لم تكن مجرد مكالمة، بل كانت رسالة للعالم: من نحب، هو أول من نشاركه فرحنا، قبل العالم كلّه.
وانظر إلى الملك هاري، الذي هزم تاجه، وركل عرشه، وغادر مملكته، لا يهمه المجد الذي وُلد فيه، بل تلك التي أحبّها، فكانت مملكته الجديدة، وكانت الأميرة التي لم يمنحها أحد التاج، بل وضعه هو على رأسها بإرادته، لأنها تستحق. كيف تقول لي إن المجتمع أو الأهل يمنعونك؟! من أحب، لا يهاب العوائق، بل يحوّلها سلالم يصعد بها لمن يحب.
والبعد؟! المسافات؟! حجّة المهزومين. رجلٌ هنديّ، لم يملك إلا دراجة هوائية، قادها من الهند إلى السويد، فقط ليرى محبوبته! لم يكن يمتلك تذكرة طيران، ولا سيارة فارهة، بل قلباً لا يعرف المستحيل، ودراجةً دفعها بحبّ، وكلّ خطوة فيها كانت إعلان عشق.
ومن يقول: “لم أحضر وردة لأنّها تذبل”، لم يعرف يوماً طُهر الحب. فذاك الياباني، حين أظلمت عينا زوجته وفقدت بصرها، لم يتركها في عتمة الألم، بل زرع حديقة ورد كاملة، فقط ليهديها عبيراً يشبهه، وليقول لها: “لن تري الورد، لكنّي سأجعل عطره يحيط بك، كأنك تبصرين الدنيا من جديد”.
فمن لا يكتب لك لأنّه مشغول، ولا يسأل عنك لأنه “عنده ظروف”، ولا يُهديك وردةً لأنّه “لا يرى قيمتها”، هو لا يحبك كما يجب. هو يخشى أن يبذل من أجلك، وأنت تستحق أن يُبذل لك الغالي والنفيس.
يا من تقرأ… أكرم نفسك، لا تقف على أعتاب قلب لا يفتح بابه إلا حين لا يجد غيرك. لا تكن خياراً ثانياً لأحد. من لا يجاهد لأجلك، من لا يصنع من الورد طريقاً إليك، ولا من الوقت فسحةً ليحادثك، دعه يذهب، وأنت انصرف عنه معتزاً، رافعاً رأسك، وكأنّك الشمس إن غابت عن أحد، أشرقت على آخرين.
عندما تعصف بك الحياة، لا تكن هشّاً، كن جبلاً. وعندما يضيق بك الطريق، افتح لنفسك دروباً جديدة. لا تتغيّر لتناسب أحداً، تغيّر فقط لتكون أقوى. واذكر قولهم: “وفي حق ذاتك، كن عزيز النفس”. فالنفس العزيزة لا تتسوّل حباً، ولا تركض خلف من يتردد.
أنت تستحق… أن تكون أولوية لا هامشاً، أن تكون قصيدةً لا هامش تعليق. فإمّا حبٌّ يُشبه الورد في عطائه، أو لا حبّ أصلاً.