8:49 صباحًا / 4 ديسمبر، 2024
آخر الاخبار

الثوار هم من يرسمون ملامح سورية الجديدة بقلم : محمد فاروق الإمام

بداية أطمئن المرجفين والذين يدّعون الخوف على سورية وملامحها الجديدة ما بعد سقوط النظام، أن من يرسم ملامح سورية المستقبل هم أولئك الثوار الذين رسموا خريطة الوطن بقاني دمائهم ومهروها بمصابيح أرواحهم، وما دون ذلك غثاء كغثاء السيل، فدمشق الفيحاء لن يتربع على كرسي الحكم فيها بعد اليوم ظالم غشوم ولا مستبد فاجر ولا عميل مدسوس ولا طامح مشعوذ ولا راكب موج فر من سفينة غارقة.

 

من يرسم ملامح سورية الجديدة هم أولئك الذين واجهوا الرصاص بصدورهم العارية وقارعوا الظلم بمظاهراتهم واحتجاجاتهم وهتافاتهم المدوية، وخرجوا إلى الشوارع متحدين سوط الجلاد وقعقعة الحراب ووقع جنازير الدبابات ولفح قاذفات اللهب، الذين خرجوا مشاريع شهداء يدقون الأرض بوقع اقدامهم غير آبهين بالموت فهم يطلبونه شهادة في سبيل الله.

 

ما دفعني إلى كتابة هذه المقدمة أنني أردت بها طمأنة السيد عبد الباري عطوان الذي كتب مقالاً يوم الجمعة 27 نيسان الحالي تحت عنوان (سورية الجديدة والخيار الثالث) عبر فيه عن تخوفه على سورية المستقبل بعد سقوط النظام، وجاء هذا التخوف على خلفية ما أعلنه رجل الأعمال السوري نوفل الدواليبي في مؤتمر صحفي عقده في باريس من أنه ينوي تشكيل حكومة انتقالية سورية، مدعياً أن العديد من أعضاء المجلس الوطني السوري والجيش السوري الحر “يدعمون الحكومة التي ينوي تشكيلها” مؤكداً أن “أهداف هذه الحكومة الانتقالية” تتمثل في تسليح المقاتلين والعمل على “تدخل عسكري دولي مباشر”، وضمان “عودة الامن والاستقرار الى سوريا”. وقال إنه سيعلن أسماء الأعضاء في الحكومة، الذين أكد أنهم سوريون من الداخل، بين عسكريين ومدنيين، “بعد بضعة أيام، لأسباب أمنية”.

 

وجاء الرد على ما أعلنه نوفل الدواليبي من قبل المجلس الوطني على لسان عبد الباسط سيدا، عضو المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري إن إعلان الحكومة الانتقالية المتوقع لن يؤدي إلا إلى تعقيد الأمور. وقال من القاهرة إن هذه الخطوة لم تدرس جيداً ولن تؤدي إلى شيء.

 

كما كان للجيش الحر موقف من تصريحات الدواليبي على لسان قائده العقيد رياض الأسعد  الذي اعلن عن رفض الجيش الحر تأييد الجماعة الجديدة. وأشار في مكالمة هاتفية من تركيا إلى أن ظهور كتل سياسية جديدة يؤدي إلى تشوّش الوضع، مضيفاً أن الجيش السوري الحر معني فقط بالوضع العسكري.

 

من هنا فإنني أعود لأطمئن الأستاذ عبد الباري عطوان أن الثورة السورية بخير وأنه لا ولن يتمكن أي إنسان مهما بلغ من الجاه والمال والمكانة العربية والدولية أن يقرر ملامح سورية الجديدة ويرسم خطوط مستقبلها بعد سقوط النظام، لأن هذه الملامح صاغتها عقول الشباب وسواعدهم وهم المؤتمنون على ذلك بإرادة شعبية وتصميم جماهيري منظم، ودليلنا هذا الزخم في التظاهر وهذا الانتشار الذي غطى كامل التراب السوري من النهر إلى البحر ومن الجبل إلى السهل، والكل يهتف بصوت واحد (حرية للأبد غصب عنك يا أسد)، وقد دفع ضريبة غالية لتعبيد طريق هذه الحرية وانتزاعها (12 ألف قتيل، 30 ألف مفقود، 200 ألف معتقل، 2 مليون نازح داخل الوطن، مليون مهجر خارج الوطن، تدمير وإحراق مدن ونهب بيوت ومحلات) ولا يزال صامداً منتصب القامة متظاهراً يصدح بملء فمه (شهداء بالملايين عالجنة رايحين)، وأعتقد يا أستاذ عبد الباري عطوان أن ثورة عمادها مثل هؤلاء الشباب وبهذا التصميم والإصرار وهذه الشجاعة النادرة والتي قل نظيرها يمكن أن تجعل أي عاقل، ولو لحظة واحدة، أن يخشى او يتخوف على سورية الجديدة وعن مستقبلها بعد سقوط النظام!!

 

وأؤكد لك يا أستاذ عبد الباري أن سورية لن يخطف ثورتها عملاء مأجورين أو أفاكين مغامرين كما حدث في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، لأن العراق لم تقم فيه ثورة.. العراق غزي بقوات أجنبية أرادت تغيير نظام الحكم بعد أن أصبح عبئاً عليها، ليتوافق ومقاس حفنة من العملاء والمأجورين الذين تربوا على موائد واشنطن وطهران ورعتهم عيون صهيونية، ودخلوا بغداد على دبابات أمريكية وحمير إيرانية، وكان ما كان وحدث الذي حدث، ولا يزال العراق وبعد خروج القوات الأجنبية منه بعد نحو عشر سنوات من غزوه أسير هذه الحفنة العميلة المأجورة التي تنفذ بحرفية مقيتة ما تمليه عليهم قم ومعمميها أصحاب القلوب السوداء الحاقدة.

 

أخيراً أقول للسيد نوفل الدواليبي أنه ما هكذا تورد الإبل وما هكذا تطرح الأفكار وليس بهذه الطريقة يرسم لسورية مستقبلها فلا تكن الحجر العثرة في طريق ثورتها ولا الصوت النشاز الذي يعمل على طعن الثورة في الظهر لأنك لن تحصد إلا الخيبة والخذلان وتسويد صفحة والدك الذي كان رمزاً من رموز الوطن ووجهاً من وجوهه الأوفياء، الثورة تحتاج إلى رص الصفوف وتوحيد الجهود للوقوف خلف هذه الثورة المباركة ودعمها بكل الوسائل التي تكفل ديمومتها والإسراع في نجاحها، وهذا لا يكون إلا من ولوج الأبواب الشرعية التي أقرتها الثورة وساندتها واعترفت بها.

 

 

 

فوجئنا بتصريحات رجل الاعمال السوري الاصل السعودي الجنسية نوفل الدواليبي، التي ادلى بها الى صحيفة ‘معاريف’ الاسرائيلية، وقال فيها ان ‘سورية الجديدة’ ستجري مفاوضات سلام مع اسرائيل. مصدر المفاجأة مزدوج، الاول ان السيد الدواليبي ادلى بتصريحاته هذه الى صحيفة اسرائيلية اثناء وجوده في باريس، والثاني استخدامه تعبير ‘سورية الجديدة’ الذي يذكرنا بـ’العراق الجديد’، ونأمل ان لا تنتهي الى ما انتهى اليه من مقتل مليون انسان، وترميل ما لا يقل عن مليون امرأة وتيتيم اربعة ملايين طفل على الاقل.

 

لم نسمع بالسيد نوفل معروف الدواليبي من قبل كمعارض شرس للنظام، مثلما لم نسمع بالعديد من المعارضين السوريين، والقياديين منهم خاصة، وان كان هذا لا يلغي حقهم في معارضة نظام ديكتاتوري ظالم، ولكن ما يقلقنا هو ان بعض هؤلاء، ومنهم السيد الدواليبي، بدأ يتصرف وكأن النظام في سورية قد سقط، ويقرر مصير البلاد كما لو انه الحاكم المنتخب، كأن يشكل حكومة، ويختار وزراء، ويخوّن او يحكم بفشل معارضين آخرين مثلما فعل، اي السيد الدواليبي، عندما حكم على المجلس الوطني السوري بالفشل وطرح نفسه كبديل.

 

السيد الدواليبي، وليعذرنا عن جهلنا به، وان كنا نعرف والده جيدا، وقع في الخطأ نفسه الذي وقع فيه الدكتور برهان غليون قبل خمسة اشهر، عندما بدأ يتصرف كرئيس جمهورية لسورية ويقرر قطع العلاقات مع ايران والمقاومة اللبنانية، ويتحدث عن مستقبل هضبة الجولان.

 

يبدو ان ما يميز الدواليبي عن غليون الاكاديمي انه تربى في ظل المؤسسة السعودية الرسمية بحكم مكانة والده كمستشار للملك عبد العزيز آل سعود، ويلتقي مع رفيق الحريري بحكم الانتماء الى طبقة رجال الاعمال نفسها اصحاب الطموحات السياسية ولا نستغرب ان يتطلع لان يكون ‘حريري سورية’ على غرار حريري لبنان ولهذا بدأ معارضته بتشكيل حكومة تكون بديلا لمجلس غليون.

 

هناك اولويات عديدة تتقدم على التفاوض مع اسرائيل لاستعادة هضبة الجولان، هناك حرب اهلية وتفجيرات، وحمامات دماء، ودائرة عنف تزداد شراسة، ووضع حد لهذه الكوارث هو مسؤولية النظام اولا، والمعارضة ثانيا، للتوصل الى مخرج منها، واذا فشل الطرفان فلا بد من ايجاد طريق ثالث. والدول الخارجية التي تتعاطى مع الملف السوري، عربية كانت او اجنبية، تنطلق من مصالحها الخاصة بينما يجب ان تكون مصلحة السوريين في ايديهم، وهي التي يجب ان تتقدم على ما عداها، ومثلما يقول المثل السوري ‘لا يفلح الارض الا عجولها’.

 

الخشية الاكبر التي نحذر منها ليست محصورة في تخريب البلاد والممتلكات، وما بنته الاجيال السورية الخلاقة لعدة قرون، وانما تخريب الانسان السوري من الداخل وتحطيم نفسيته، ونزع قيمه واخلاقياته، وتدمير هويته الوطنية، تماما مثلما حصل لشقيقه العراقي.

 

يجب ان يدرك النظام السوري ان صبر العالم بات ينفد، وان الدعم الروسي ـ الصيني ـ الايراني ليس معناه رخصة مفتوحة للاستمرار في اعمال القتل، التي نراها تتصاعد بشكل يومي.

 

‘ ‘ ‘

 

ما اشبه ليل سورية ببارحة العراق، الآن هناك مفتشون يتناسخون ويزداد عددهم، وهناك ضغوط بتزويدهم بطائرات عمودية للمراقبة والتفتيش فوق جميع المناطق السورية، تماما مثلما حصل في العراق واستفزازات هؤلاء المهينة، وابرزها تفتيش غرفة نوم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وليس قصوره فقط.

 

عيب بل وعار ايضا، ان يقايض بعض المعارضين السوريين دماء الثوار الطاهرة بمغازلة المحتل الاسرائيلي، الذي يعتبره السوريون جميعا ودون استثناء العدو الأبرز للأمة، او ان يتنافسوا فيما بينهم للتمسح بالغرب الداعم لهذا العدو بأحدث الاسلحة والمعدات، لإحكام عدوانه وتكريس احتلاله للأرض العربية.

 

كلام السيد الدواليبي المقرب من صناع القرار في المملكة العربية السعودية، ومحاولته مهادنة اسرائيل مبكرا، يذكرنا بكلام رجل الاعلام الآخر وأحد ابرز رموز النظام السوري، اي رامي مخلوف، الذي قال في بداية الانتفاضة السورية ما معناه ان سلام اسرائيل من سلام سورية.

 

عندما ننتقد المعارضة السورية يغضب البعض ويضعنا في خندق النظام، وهم الذين يخونون بعضهم البعض ويتبادلون الشتائم البذيئة بأقذع الألفاظ، وعندما ننتقد بحدة حلول النظام الامنية الدموية وآلة قتله الجبارة يضعنا النظام في خانة المعارضة، ويسلط علينا اجهزته الاعلامية والمخابراتية الجبارة، ولكن هذا لن يمنعنا من ان نكون فوق النظام والمعارضة معا، وان يكون خيارنا هو سورية وشعبها ووحدتها الوطنية والترابية. فقد مرت على دمشق آلاف الحكومات والشخصيات على مدى ثمانية قرون، ذهبوا جميعا وبقيت سورية اصيلة شامخة.

 

لسنا مع التغيير من الخارج ولن نكون، وهذا من حقنا، ومن يؤيده فهذا شأنه، ولكننا نقول لهؤلاء اعطونا مثالا واحدا عن تغيير خارجي جاء لمصلحة ابناء الأمة، هل كان الحال كذلك في العراق وافغانستان وليبيا، ومن الذي دفع وسيدفع ثمن هذا التغيير من وحدته الوطنية ودماء ابنائه وثرواته؟.. لا تستعجلوا الحكم وانظروا حال كل من العراق وافغانستان بعد عشر سنوات من التدخل الاجنبي فيهما.

 

سورية ليست بحاجة الى المزيد من فرق التفتيش، ولا المزيد من تنظيمات المعارضة المتشظية المتصارعة، ولا زيادة بطش الجيش والاجهزة الامنية وانتهاك الحرمات، سورية التي نعرفها ونحبها بحاجة الى الحكمة الشامية، وإيثار كل طرف سلامتها ووحدة اراضيها والعمل على استمرار التعايش بين فسيفسائها الديموغرافية على اسس المساواة والعدالة والحريات الديمقراطية.

 

‘ ‘ ‘

 

مرة اخرى نطالب بطريق ثالث، لان الطريقين القائمين حاليا لن ينتصر احدهما على الآخر، بل سيقودان البلاد الى دمار شامل. فالمعارضة التي نراها لا ترى في معظمها بديلا عن التسليح والتدخل الخارجي العسكري، ولا النظام يريد التنازل لشعبه وتقديم الاصلاحات الحقيقية الشاملة، وعفو عام يعيد رسم الخارطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن مصالح الجميع، فالجميع شركاء في هذا الوطن.

 

سورية الجديدة التي يريدها الشعب الســـــوري، هي سورية الأبية الوطنية، التي تحافظ على تراث مشرّف في بناء الامبراطوريات الحضــارية ومقاومة الغزاة، وليست سورية ناقصة السيادة التي نراها حاليا في ظل وجود المراقبين، ولا سورية التابعة للمشروع الغربي الذي تريدها بعض فصــــائل المعارضة الخارجية.

 

نقول للمتصارعين على جلد الدب السوري، او بالاحرى كرسي الحكم، او بعضهم، حتى لا نقع في فخ التعميم، نقول لهؤلاء ويحكم، تريثوا قليلا، اين زملاؤكم من امثال محمود جبريل وعلي الترهوني وعبد الفتاح يونس (في ليبيا)، واين احمد الجلبي واياد علاوي وعبد المجيد الخوئي ومحمد بحر العلوم وعدنان الباجه جي في العراق، ورباني وصبغة الله مجددي، وقريبا حميد كرزاي في افغانستان؟

 

ولا ننسى ايضا ان نذكّر النظام ورموزه ايضا بالرئيس حسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح وزين العابدين بن علي.

 

نريد سورية الجديدة مختلفة، ونريد مستقبلا مشرفا لها، مستقبلا زاخرا بالعدالة والقضاء المستقل واحــترام حقوق الانسان والمساواة والتعايش بين جميع الطوائف والأعراق، ولا نعتقد ان ايا من النــــظام او المعارضة بصورتيهما اللتين نراهما يمكن ان يقود البلاد الى هذا الهــدف، في المستقبل القريب على الاقل.

 

شاهد أيضاً

القيادة في خضم التحديات؛ ماجد فرج و حسين الشيخ بين الأمن والسياسة ، بقلم : محمود جودت محمود قبها

القيادة في خضم التحديات؛ ماجد فرج و حسين الشيخ بين الأمن والسياسة ، بقلم : محمود جودت محمود قبها

القيادة في خضم التحديات؛ ماجد فرج و حسين الشيخ بين الأمن والسياسة ، بقلم : …