12:08 صباحًا / 19 أبريل، 2024
آخر الاخبار

أوراق صامتة ..بقلم : نادية مداني

أوراق صامتة ..بقلم : نادية مداني

بعيونهم…

التحفت الليل لباسا وصاحبت نجوم الفجر ، نسيت للحظة أنها أنثى تملك من المواصفات ما يرشحها لنيل تاج الملكة ، في الماضي صاحبت الكتب ودفنت شبابها بين أوراقها ، كانت طالبة علم وفي المقابل كانت بنات جيلها تحلمن بفارس الأحلام وتعبدن أنوثتهن ، كانت تعبد الحرف وتعشق الكلمة ، فتساقطت أوراق عمرها كدمعة حزينة في خريف ممل،تمارس كل الهوايات لتصرع الألم وتتحدى الندم ، يتعبها سؤال تائه، هل هي موهوبة أم مجروحة أم مشروع لمجنون…؟ إنه عمرها علامة تعجب…واندثار… وانهيار وجنون يضحك الأموات تحت الثرى، إنها معجزة اللاوجود حين دفنت الوطن بجبنها ، عندما احترفت الصمت وفضلت أن تكون هي ..

فاغتالها الضمير وأحرق بنيرانه كل الأخطاء وفجر حبالها الصوتية فصرخت بصوت الآخر… لن أعيش إلا وفاءا للوطن… ورفضت بريشة رسام أن تتحول أوراق الشجر إلى نجوم سداسية الشكل على أكتاف الخيانة…هي ضحية حب الوطن…ويشرفها أن تسقط كورقة خضراء ذات خريف وطن…

لقد اختارها القدر أستاذة حرف، فمشت إلى ما لا نهاية من الأفكار ، تقذفها الكلمة كموجة جريئة في بحر هائج بزبد الحروف، فبانت كغريق يتعلق بآخر أمل يضرب له موعد مع رمال الشاطئ…تحمل عقد عمل، تسرع باتجاه المحطة ، تسبقها الافتراضات ماذا سيحدث لو رفض إمضاء العقد؟ تكون بذلك خسرت آخر ورقة رابحة…هل ياترى كانت تسابق القدر؟ أم لتكون أول الراكبين… طالما صادفها رقم واحد فهو رقم تسجيلها في الجامعة وكانت في القائمة الأولى لاجتياز شهادة الماجستير وهي أول من استفادت بهذا العقد الذي ينام في محفظتها نوم حظها الذي طال به السبات وأخاف أن تزوره المنية في غفلة من الأقدار …لم يعنيها يوما أن تكون رقم واحد،كانت تفضل رقم ثلاثة لم يغريها يوما لمعان الذهب ،بل كان يسحرها اللون البرونزي لأنه يرضي تواضعها…ركبت الحافلة ،اختارت المقعد الثالث ،طبعا نحن في فصل الشتاء والمقعد الأول معرض للبرد…جلست وحدها فكانت الوحدة رفيق أبدي أبى إلا أن يصاحبها يمسح دموعها ويقلقها بضجيجه الصامت …اتفقت الوحدة مع الحرف على ضياعها وتشتتها ،ارتمت على مقعد الحافلة وألقت بمحفظتها وكتبها في المقعد الآخر بانتظار الشخص المناسب للجلوس عليه…دققت النظر من حولها بدت لها مدينة بريكة من وراء النافذة فتاة في مقتبل العمر ،خجولة بملامحها العادية، لم يكن يميزها عن باقي الفتيات إلا جرأتها عندما يتعلق الأمر بفرض وجودها ،كان ليل فجرها بارد برودة أعصابها لعدم انطلاق الحافلة…من المفروض أنها في صراع مع القدر…والوقت …والزمن…مستسلمة لأحزانها تحترف البكاء في صمت ، لما كل هذا الإصرار على مواصلة المشوار…؟أرفع رأسي وأوقف رسم الكلمات على ورق من برونز كنت أنقش الحروف الأولى لقصة ستنتهي أم تبدأ…يركب الحافلة شيخ وعجوز فضلا المقعد الأول،ربما ليكون أول النازلين…هذا حال الكبار في السن فهم في صرا ع دائم مع الزمن، ثم ركبا الحافلة أم وولدها في زيارة عاجلة لأهم الأطباء لعله يسكت صراخ الألم وربما يكتب لها عمرا آخر…فتلاهما فتاة وشاب كان في عيونهم شيء من المغامرة,مما يفسر أنهما غير مرتبطان

اختارا المقعد الأخير ليسرقوا لحظة سعيدة بعيدا عن عيون الحسد في وجهة أخرى لمكان آخر يقدس اللعب على أوتار القدر…

صعدت الحافلة عجوز وجلست أمامها لم يكن هناك فرق بينهما سوى تجاعيد تلك العجوز التي رسمت على وجهها كتضاريس عريقة وملابسها وحذائها العصري أما عن الفتاة فكانت ملابسها كلاسيكية مع حذاء كلاسيكي صنع أوربي ، فهي تتعمد اقتناء الأحذية الأ وربية لجودتها لا لغلائها فعمر حذائها بعمر عشرة أحذية صينية.. .

استخرجت العجوز من حقيبتها هاتف نقال آخر صيحة وبأثقل نطحة وخاطبت تلك الحرة الفتاة بلهجة فرنسية بأحد أسماء الهواتف النقالة، فشكرتها للمعلومة لأنها كانت تجهل هذا النوع وحتى الاسم وكانت تحمل هاتف نقال كان آخر همها أن ينقل لها حديثا مهما

أنهيت فضولي فسرقت السمع لأعرف نوع الحوار الذي دار بينهما

الفتاة : هل تعملين

العجوز:لالاأعمل

الفتاة: هل تقرئين

العجوز: لا

الفتاة بلهجة مبسطة: ” يا ميمتي واش رايك تقراي”

العجوز: “لواش أنا ما زالي قدرة ما تحمى ونموت”

صمتت ولم تعلق ، أغمضت عيناها أسندت رأسها على المقعد وغفت قليلا بجانب حظها النائم نوم الأبدية…تصل الولاية تجهل المكان المتوجهة إليه، لكنها اقتدت بواسطة السؤال واللافتات…تسلم العقد للمسؤول يرفض إمضاؤه إلا بشرط توفير عدد معين من المتمدرسات تخرج إلى الشارع تائهة ، ضائعة ضياع الطفل في الطرقات شاردة شرود روضه الخيال علامة استفهام؟

هل سيكون هذا العقد الرابع الذي سيعطي التأشيرة لسلسلة معاناتها كي تمتد ؟ لماذا يكون ثمن أحلامها الحرث في البحر والحفر في سفح جبل….

تمشي على رصيف الكلمات، تلم أحزانها وتمسح العبرات وفي نشوة الحزن الملثم ببقاي رداء إنسان لايظهر منه سوى عيون اكتحلت بسواد الألم وأهداب طويلة اعتنقت الحواجب وراحت تراقب المارة كنبتة تطفلية ، تسلقت جدران الخيبة في غمرة الانسياب الجنوني…

لمحت على الرصيف الآخر… كلمات من نوع آخر…

لكنها غيرت نظراتها خافت أن يخدعها سيدها الوهم في لحظة قنوط…

وصلت المحطة ركبت الحافلة من الباب الخلفي تخفي انكسارها الأبدي رفقة وحدتها الأزلية…تبحث خفية عنها عن الحلم الآخر …الذي يجلس المقعد الأمامي يقرأ قصتها على صفحات جريدة ويكتبها مرة أخرى بحروف من ذهب لأنها كانت من البداية قصته التي لا تنتهي

بقلم :نادية مداني

أعيدت كتابة أوجاع هذا الحرف من طرف كتاب يقال أنهم كبار…

شاهد أيضاً

المحافظ كميل ومدراء المؤسسات الامنية والرسمية والشخصيات الاعتبارية يقدمون التهنئة لوزير الاقتصاد الوطني م. العامور برام الله

شفا – قدم محافظ سلفيت اللواء د. عبد الله كميل، اليوم الخميس، على رأس وفد …