2:12 مساءً / 3 ديسمبر، 2024
آخر الاخبار

اعتزل ما يؤذيك ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

اعتزل ما يؤذيك ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

في عالم يزدحم بالتحديات والصراعات، يكمن الحل الأمثل في قرار بسيط، لكنه يحمل في طياته قوة جبارة: “اعتزل ما يؤذيك.” هذه العبارة ليست مجرد نصيحة عابرة، بل هي خارطة طريق نحو حياة هادئة ومستقرة. إن اتخاذ هذا القرار يتطلب شجاعة نادرة؛ شجاعة الاستغناء عن كل ما ينهك روحك ويستنزف طاقتك.

أن تستغني يعني أن تتحرر من قيد ثقيل يثقل كاهلك، سواء كان هذا القيد شخصًا، مكانًا، كلمةً جارحةً، أو حتى عملًا يستنزف منك كل طاقتك. لا تترك شيئًا يجذبك نحو هاوية الانهيار، لأنك ببساطة، عندما تنهار، لن تجد أحدًا يقف بجانبك. ليس الأذى مقتصرًا على الأشخاص فقط، فقد يكون الأذى مكانًا تشعر فيه بالاختناق، أو عملًا يسرق منك سعادتك وصحتك النفسية.

نحن نعيش هذه الحياة مرة واحدة، وهي تمر بنا بسرعة البرق، فلا وقت لدينا لنضيعه في التبرير والتأقلم مع ما يؤذينا. بل، أعظم سلاح يمكن أن تمتلكه هو الانسحاب والتخلي عن كل ما يعكر صفو حياتك. إنه القرار الذي يجب أن نتخذه بوعي وبدون تردد، مستندين إلى قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “اعتزل ما يؤذيك.”

فالاعتزال هنا ليس هروبًا، بل هو خطوة نحو النجاة؛ هو درع يحميك من سهم الحياة المسموم. اعتزل لتجد نفسك، لتعيد شحن طاقتك، ولتعيش حياة تستحق أن تُعاش بلا منغصات أو آلام. الحياة قصيرة، وعليك أن تختار بحكمة مع من، أين، وكيف تقضيها.

وفي هذا السياق، يبرز جلال الدين الرومي كأحد الفلاسفة الذين أبدعوا في التعبير عن حكمة الاستغناء كوسيلة لتبريد نار النفس. فهو يرى أن الاستغناء عن رغبات النفس التي لا تُشبع، هو السبيل الوحيد للسلام الداخلي. فالإنسان، وفقًا للرومي، يظل يعاني من نيران الحسد والغضب والشهوات طالما ظل متمسكًا بما يضر روحه. فقط عندما يختار الاستغناء عن تلك الرغبات، يبدأ بالتخلص من حرائق النفس التي تعصف به.

الرومي يصف الاستغناء كالماء الذي يطفئ نار النفس، حيث يقول: “إنك عندما تستغني عن ما لا تحتاج إليه، تجد الراحة والسلام.” وهذا الاستغناء لا يعني فقدان شيء ثمين، بل هو تحرر من عبء وهمي يثقل على قلبك ويمنعك من تحقيق الصفاء الروحي. إنه التوقف عن الركض خلف السراب والبدء في الاستمتاع بجمال الحياة الحقيقي، بعيدًا عن كل ما يفسد بهجتها.

فالاستغناء، كما يراه الرومي، هو أرقى درجات القوة، حيث يصبح الإنسان سيدًا على نفسه، وليس عبدًا لشهواته. إنه عملية تبريد للنفس المشتعلة، وسيلة لترويضها وتوجيهها نحو الخير والسلام الداخلي.

إذاً، عندما تعتزل ما يؤذيك، فإنك لا تحقق فقط راحة البال، بل تطفئ نيران النفس التي طالما كانت تلتهمك من الداخل. هذا الاستغناء هو مفتاح السلام الداخلي والسعادة الحقيقية، وهو القرار الذي يجب أن يُتخذ بحكمة ووعي، في رحلة البحث عن الحياة التي تستحق أن تُعاش.

شاهد أيضاً

الأردن يترأس "مؤتمر ميثاق الطاقة" في بروكسل

الأردن يترأس “مؤتمر ميثاق الطاقة” في بروكسل

شفا – ترأست وزارة الطاقة والثروة المعدنية في الأردن، اليوم الثلاثاء، “مؤتمر ميثاق الطاقة” المنعقد …