9:55 مساءً / 30 أبريل، 2024
آخر الاخبار

رسالة مفتوحة الى دولة رئيس الوزراء المكلّف السيد محمد مصطفى حفظه الله، بقلم : د. غسان عبد الله

غسان عبد الله

رسالة مفتوحة الى دولة رئيس الوزراء المكلّف السيد محمد مصطفى حفظه الله، بقلم : د. غسان عبد الله

أعلم أنك تلقيت رسائل كثيرة شبيهة ومن قطاعات أخرى ، لكن لعل هذه الرسالة تتسم بالتخصيص والصراحة أكثر من غيرها ،كونها تجيء من مواطن يهتدي بقول المعلم الأول للانسانية “صلى الله عليه وسلّم ” ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) ولأنني أعي تماما أن مجالك وخلفيتك هي الاقتصاد، ولعلك تشاركنا القناعة بأن لا تنمية اقتصادية مستدامة دون نظام تربوي تعليمي ينطلق من احتياجات المجتمع والعمل على انجازها بمهنية واخلاص.لهذا قررت الكتابة لك كونك ، قد يكون الله اجتباك لتكون الراعي الثاني لشؤون شعبنا الغلبان.

أجزم لك أن هناك مئات الالاف مثلي من أبناء ” البطة السوداء ، ممن يغردون خارج سرب المصحّجين وذوي الوجوه الماوّنة ، يشاركونني الرأي فيما سأقوله لك .


أود أن أتناول هنا أحتياجاتنا كمجتمع الى نظام تربوي تعليمي تحرري فاعل ، يلتصق بهموم الشعب بعيدا عن الفنتزيات والشعارات وضخ الكلمات الطنانة الرنانة، كون نظام التربية والتعليم المنشود عماد خيمتنا الحاضنة للكل الفلسطيني .


منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي والى اليوم ،تعرض النظام التربوي التعليمي الفلسطيني ، الى الكثير من الخلخة ، بدءا من اختصار حصص التربية الدينية (من ثلاث حصص الى حصة واحدة أسبوعيا)والأخذ بالتركيز على مواد أخرى يمكن للطالب المعني بها أن يتعلمها عبر قنوات التربية غير الرسمية، الأمر الذي أدّى ولا يزال ،الى تراجع منسوب القيم والأخلاق ، لا سيما أن جميع الديانات السماوية ، تركّز على الأخلاق والقيم ،أضف الى ذلك حذف مواد تعليمية مهمة كان جيلنا يتعلمها مثل التعليم الزراعي والثروة الحيوانية، مما أثّر سلبا الحفاظ على مصير الأرض واضمحلال فرص التنمية المنشودة ، وتحول نسبة كبيرة من خريجي المدارس الى جيش احتياط لدى الاحتلال من خلال الانخراط في سوق العمل الاسرائيلي وزيادة عدد الأيدي العاملة غير الماهرة ، وبالتالي تحولت غالبية الأراضي الفلسطينية الى أراض غير مستعملة ( بور) حيث وجد الاحتلال القائم بالقوة ضالته للانقضاض عليها بموجب تشريعات قديمة جدا ،مثل قانون الديك و تشريع حق ولي الأمر مصادرة /استملاك الأرض التي يمضي عليه 10 سنوات دون استغلالها .

ناهيك عن كل هذا الأرقام الفلكية في معدلات التوجيهي منذ سنوات خلت ، والتزايد المستعر في نسب البطالة لدي خريجي الجامعات والكليات المتوسطة .


نتطلع من دولتكم أن تتم العودة الى التعليم الزراعي والثروة الحيوانية والتعليم المهني الموجّه ، مع اعطاء صلاحيات أكثر لهذه لهيئة التعليم المهني ،هذه الهيئة الجادة في عملها ، وذلك من أجل تأمين احتياجات وأسس التنمية المستدامة ، وحتى لا نرى مزيدا من أراضي وجبال محافظات الوطن المحتل مجرد مساحات جرداء ، اضافة الى امكانية المساهمة في عملية التنمية المنشودة .


من خلال مثل هذا النظام التربوي التعليمي الفاعل يمكن العودة الى قيمة “العونة” والتي يتم تعريفها اليوم ب “العمل التطوعي” . ومن هنا أكرّر الدعوة،والتي أطلقناها في مركز الدراسات والتطبيقات التربوية- كير،الى تشريع وتبني قانون الخدمة الوطنية الالزامية يستهدف الطلبة ،على مختلف مستوياتهم التعليمية، ذكورا واناثا حيث يقوم هذا الجيش العاطل عن الانتاج المادي المحسوس، بتنفيذ خدمات مجتمعية بالتنسيق والتعاون مع مؤسسات حكومتكم العتيدة ، وفق برامج مهنية معدّة جيدا، وبشكل لا يتناقض مع التحصيل الأكاديمي المطلوب .

مثل هذه الأعمال التطوعية من شأنها تعزيز لغة الحوار وثقافة السلم الأهلي فعلا لا مجرد شعارات ونبذ كافة أشكال العنف المحلي .


نحن بحاجة الى ضرورة تكثيف التربية الأخلاقية والقائمة على ممارسة الشراكة المسؤولة وتذويت مبادىء الاعتماد على الذات وروح المبادرة وتكثيف التعليم الشرعي الذي يحض على العمل والانتاج، بدلا من مواصلة نهج التسول من البلدان الأوروبية والمؤسسات الدولية التي لها أجنداتها الخاصة والملزّمة لكل من يريد أن يتلقى العون والمساعدة منها ، وما احدى أسباب تراجع المنظومة التربوية التعليمية لدينا الا دوام قبولنا بشروط الداعم الأجنبي.

فقط برفض والانقلاب على هذا النهج ،نتحرر من التبعية الاقتصادية والفكرية وننهض للسير نحو بناء الهدف الوطني المنشود .


نتوخى من دولتكم ، الاهتمام أكثر بمحور الصحة النفسيّة ، اذ لا تنمية حقّة دون صحة نفسيّة سليمة ومواطن يتسم بالسلوكيات الاجابية بعيدا،قدر الامكان عن التوترات والصدمات النفسية وغيرها من السلوكيات السلبية ومسبباتها.


ولأن هناك دعوة واضحة وجليّة في الديانات السماوية الى احترام الانسان ، الذي خلقه الخالق الله تعالى، ،وبالأخص المعلم ، الاداة والقناة الرئيسة لايصال الرسالة التربوية ” ولقد كرمّنا بني اّدم” ، نتطلع الى قيام دولتكم بالتحسين الفعلي لوضع المعلم مربي الأجيال والرقي بوضعه ،ليس فقط ماديا بل وتوسيع الهامش في مجال حريتي التفكير والتعبير ليكون مبدعا وكي يتمكن من تخريج أفواجا مبدعة تعتمد العقل ،لا فقط النقل ، في مسيرة البناء والنهوض، وليتم هذا هناك ضرورة عاجلة للحد من ظاهرة التجارة بالكراتين ( الشهادات ) الصادرة عن مؤسسات عالمية وجدت أدوات محليّة لها في البلد ، ليس فقط كونها تؤثر سلبا على مستوى ومضمون التعليم ،بل وأيضا كونها قد تمس بالأمن القومي الفلسطيني . أيضا هناك حاجة ماسّة يتطلب مواجهتها والمتمثلة في العدد الكبير لعدد الجامعات في محافظات الوطن ،فليس من حق كل صاحب ثروة أو عزوة عشائرية أو حزبية ، أن يقوم بافتتاح جامعة ، والطامة الكبرى أن غالبية هذه الجامعات تقوم بتدريس تخصصات متشابهة رغم وجود حاجة ملحّة الى تخصات أخرى . ما ينطبق على التخصصات ينطبق أيضا على الدرجات والألقاب العلميّة ماجستير ودكتوراه، نحن بحاجة الى معاهد علمية متخصصة .


كما هناك حاجة كبرى الى تعميم الوعي لدى المسؤولين في دوائر مؤسسات حكومتكم العتيدة ،بأنهم في الميدان من أجل الأخذ بأيدي العاملين بكل جد واجتهاد ، وليس من أجل اسقاط عقد النرجسيّة والانتقام وفق مزاجية هذا المسؤول أو ذاك ( عن طريق شخصنة الأمور وتوظيف أسلوب الجكر والمماحكة) من ومع الفاعلين بكفؤ.


قد يكون بالامكان انجاز القسط الأكبر من كل ما ورد أعلاه عبر تشكيل مجالس حماية التعليم في محافظات الوطن ،ولتكن هناك مبادرة من طرفكم لتأسيس مجلس استشاري خاص بالنظام التربوي التعليمي يرأسه وزير التربية والتعليم القادم بموجب دراسة وترو ملموس.

يبنى هذا المجلس على أسس مهنية وليست فئوية حزبية ، وتعمل بالشراكة مع مجالس أولياء أمور الطلبة وفق أنظمة محدّدة وليس حسب مزاجية وغرائز المسؤول، ولنا أن نسجّل هنا تحية تقدير الى دولة رئيس الوزراء الأسبق أ.د. رامي الحمد الله الذي عمل على هذا بموجب ما تمت تسميته باللجنة العليا لمراجعة النظام التربوي التعليمي والتي ساهمت مساهمة نوعيّة في اعادة توجيه البوصلة ،وكان لي الشرف أن كنت عضوا فيها .


بهذا ، تكون دولتكم ، وكونكم من ذوي العزم والعزيمة قد قمتم بانجازات تربوية لا تبلى ، وكلنا أمل أن تلقى رسالتنا هذه الاهتمام منكم وأن لا تنسوها ، كون العاقبة للمتقين ولعلكم تسألون يوم الدين عن هذه الأمانة وغيرها من الأمانات التي تم اناطتها بأعناقكم .


وفقكم الله وسدّد خطاكم وكان بعونكم

شاهد أيضاً

فارسين شاهين تثمن الموقف البرازيلي المتقدم والداعم لحقوق شعبنا

فارسين شاهين تعبر عن تقدير القيادة الفلسطينية للموقف البرازيلي في دعم حقوق شعبنا الفلسطيني

شفا – التقت وزيرة الدولة لشؤون وزارة الخارجية والمغتربين فارسين شاهين، اليوم الثلاثاء، رئيس مكتب …