11:38 مساءً / 22 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

بين “اليوم التالي” وخطة ترامب ، غزة تحت الوصاية الدولية ، بقلم : مروان إميل طوباسي

بين “اليوم التالي” وخطة ترامب ، غزة تحت الوصاية الدولية ، بقلم : مروان إميل طوباسي


مع الحديث عن “اليوم التالي للحرب على غزة” المصطلح الذي ابتدعته الإدارة الامريكية ودرج الجميع لاحقا على تكراره دون تدقيق بمخاطره ، اضافة الى اقتراب الكنيست الأسرائيلي من قرار ضم الضفة الغربية او فرض السيادة عليها بعد إقراره بالقراة التمهيدية اليوم ، تتضح ملامح مشروع أمريكي– إسرائيلي جديد يُرسم على الأرض تحت شعارات براقة تتمثل في ، “الاستقرار”، “الإعمار”، و”نزع السلاح” و”الازدهار الإقليمي” . لكن هذا المشروع لا يهدف إلى إنهاء الأحتلال ، بل إعادة إنتاجه بصورة أكثر مرونة من خلال اطروحات السلام الاقتصادي بل والأمني الذي جرى تكرار طرحه سابقا منذ بدايات تحطيم نموذج الدولة الوطنية بالشرق الأوسط وشمال افريقيا ، وذلك عبر تحويل غزة إلى ساحة إدارة دولية–محلية بمفهومها الإستعماري ، مع إبقاء الهيمنة الإسرائيلية والأمريكية واضحة .


ما يُعرف بـ”الخط الأصفر” يمثل الحد الفعلي لسيطرة إسرائيل داخل القطاع، نصف غزة تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي اليوم ، والنصف الآخر يظل تحت سيطرة “حماس” أو ما تبقى من بنيتها التنظيمية . في الوقت نفسه ، تُسوق واشنطن فكرة “قوة الأستقرار الدولية” المكونة من دول عربية واسلامية ، والتي رفض عدد منها المشاركة ، لإدارة الأمن والإشراف على الشرطة الفلسطينية ، في محاولة لإضفاء غطاء دولي شرعي على الأحتلال .
تسعى الخطة الأمريكية–الإسرائيلية من خلال هذه الهندسة إلى نقل جوهر الصراع من الأحتلال

والعدوان إلى مسألة من يحكم غزة ، وكأن المشكلة في السلطة المحلية لا في الأحتلال ذاته . وهكذا يُستبدل الهدف الوطني بالتحرر والسيادة بمشاريع “إدارة محلية” خاضعة لشروط المانحين واشتراطات الأمن الإسرائيلي والوصاية الأمريكية المباشرة .


وتتفاقم الخطورة عند محاولة واشنطن شرعنة خطة ترامب اممياً عبر مجلس الأمن الدولي كما يتم تسريبه من اخبار . أي تمرير لهذه الخطط ، ان تم ذلك ، تحت غطاء الأمم المتحدة سيعطي مظهراً شرعياً اممياً لإعادة إنتاج الأحتلال وتحويل القضية الفلسطينية من صراع وطني إلى ملف إداري–إنساني – اقتصادي- امني . هذا “الواقع القانوني” الجديد ان مررت في مجلس الامن الدولي ، قد يُستغل لاحقا لتصفية الحقوق الوطنية السياسية وحقوق شعبنا الفلسطيني السيادية ، ويعطي المشروع الأمريكي–الإسرائيلي طابعا اممياً يبرر السيطرة على غزة ومن ثم تكرار تجربة ذلك على ما تبقى من الضفة الغربية بعد ان حسم الطرفين موضوع القدس واراضي المستوطنات بما فيها الأغوار . الموقف الفلسطيني الرسمي لم يبدي رفضا بوضوح ، فالسلطة الوطنية رحبت بالخطة منذ بدايتها وضمنتها الموافقة على عدد من المتطلبات الأمريكية بل والأوروبية رغم ان الخطة تستثني دورها وتقوض مسألة تجسيد اقامة الدولة ذات السيادة وحل تقرير المصير ، وتبعتها حماس لاحقا بهدف التوقيع على “هدنة” تضمن استمرارها بالسيطرة كسلطة أمر واقع ، بينما يركز كل طرف على حماية ما تعتقد به بعض مراكز النفوذ بها بانه يخدم مصالحها واستمرار بقائها دون توافق أو شرعي. انتخابية واجماع وطني واجب لكل أطياف ومكونات المجتمع الفلسطيني الذي قدم التضحيات في غزة ومسيرة الثورة والأنتفاضتين والتحرر . هذا التعاطي الضمني يُضعف أي مقاومة سياسية وطنية أو دبلوماسية أو قانونية تتعلق بالقضاء الدولي كما ويجعل مواقف الشعوب المتضامنة معنا اكثر تقدماً منا بما مثله خروحها بالأمس بالمدن الأوروبية وحتى بالولايات المتحدة تحذر من الوقوع في مصيدة خطة ترامب المفخخة . كما ويجعل من تثبيت الانقسام جزءًا من “حل” محتمل بدل كونه مشكلة يجب معالجتها وطنيا والتي امتدت منذ إنقلاب غزة ومرورا بتغييب الانتخابات وعدم تنفيذ اتفاقيات المصالحة وصولا الى عدوان الإبادة والمحرقة الاسرائيلية وتداعياته التي نعيشها اليوم ، رغم اعادة قضيتنا الوطنية الى أولويات الاهتمام الدولي وخاصة من تعاظم التضامن الشعبي غير المسبوق بالتاريخ المعاصر في معاداة جوهر الأحتلال والفكر الصهيوني ، الذي يتوجب استمرار البناء عليه لا إجهاضه .


إقليمياً ، تتداخل الأجندات بين مصر وقطر وتركيا من جهة والولايات المتحدة من جهة اخرى ، بينما تسعى إسرائيل إلى فرض وصاية أمنية طويلة المدى تحافظ على عزلة غزة وتمنع أي تواصل سياسي أو جغرافي مع الضفة الغربية . مشاريع الإعمار ، وإن رُوّج لها “كواقعية سياسية” وكوسيلة لحماية المدنيين من ابناء شعبنا ، تتحول عمليا إلى أداة لإعادة إنتاج الأحتلال تحت غطاء دولي في غرف مشاريع اعادة الإعمار من نفس الاطراف التي ساهمت بتدمير غزة ، فالواقعية السياسية لا تؤخذ بفرامانات أمريكية التي ساهمت في جرائم بشعة حول العالم طيلة تاريخها الحديث وفي منع حق تقرير المصير لشعبنا منذ جريمة النكبة .


السيناريو المستقبلي الأقرب يشير إلى خطر تحول غزة إلى كيان تابع للوصاية الدولية ، قوة عربية متعددة الجنسيات تشرف على الأمن بمرجعية القوة الأمريكية التي وصلت المنطقة ، مشاريع اقتصادية تموّلها أموال خليجية ، وإدارة محلية خاضعة للإشراف الأمريكي من خلال مجلس السلام الذي سيترأسه ترامب ويشرف على تنفيذ مقرارته طوني بلير في مسميات يتداخل بها ما يُسمى بالتكنوقراط غير السياسي ، في حين يبقى الأحتلال الإسرائيلي قائما ومهيمنا من خلف الكواليس او الخطوط الملونة الصفراء والزرقاء والحمراء . هذا السيناريو قد يؤدي إلى مزيد من الأنقسام الداخلي والفوضى ، مع استمرار الهيمنة الإسرائيلية على المداخل والمخارج والتدخل عندما يحتاج أمرها ذلك كما يحدث في لبنان اليوم .


الحل البديل يتمثل في استعادة القرار الوطني الفلسطيني المستقل فوراً . من خلال العمل الدبلوماسي السريع مع اصدقاء شعبنا لمنع تمرير مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن ، وعبر إعادة الأعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تحتاج الى جرأة الإصلاح والأستنهاض كمرجعية شرعية جامعة بولاية جغرافية وسياسية على كافة اراضي دولتنا المحتلة ، وتفعيل دور مكونات الحركة الوطنية وبالمقدمة منها “فتح” كحركة تحرر وطني ، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني توافقية تعمل وفق وثيقة إعلان الإستقلال وقرارات الشرعية الدولية في كل اراضي دولة فلسطين المحتلة. بما فيها قطاع غزة بمرجعية الاتفاقيات السابقة والقانون الدولي والقرارات الأممية ، مع الأسراع في التحضير لإنتخابات عامة شاملة لإعادة بناء الشرعيات الوطنية وتجديد الثقة الشعبية بها والمصداقية أمام العالم وحتى الأصدقاء منهم .


إن “اليوم التالي” والذي أخشى بأن لا يكون فلسطينياً وبما يفترض منه وطنيا بعد توقف الإبادة ، اذا لم يعد لها نتنياهو ، هو ليس في مُن يجلس على مقعد الحكم ، بل في من يمتلك الإرادة لتحرير الأرض والإنسان من براثن الأحتلال .

فالمستقبل لا يُكتب في غرف المانحين الذين يعملون وفق قواعد “التدمير واعادة البناء” كما حصل في دول اخرى لمجرد تدوير سلسلة الرأسمال الغربي الجشع ومن يلتحقُ بهم من الأدوات المحلية “الوطنية” ، ولا على خرائط الوصاية السياسية التي تجسد المفهوم الإستعماري ، بل بإرادة شعب يرفض تصفية قضيته الوطنية تحت أي مسمى جديد ومبتكر . ان أي حل لغزة يجب أن يضمن التحرر والسيادة الوطنية ، ووحدة القرار الفلسطيني المستقل بعيداً عن الأملاءات والاشتراطات لإيجاد “سلطات متجددة” ، وإلا ستظل المشاريع الأمريكية والغربية تهدف لإضفاء شرعية على تجاوز حق تقرير المصير واقامة الدولة كاملة السيادة التي أقرتها لنا القرارات الأممية والقانون الدولي وفق حقوقنا الوطنية الغير قابلة للتصرف ، وعلى أستمرار الأحتلال الكولنيالي الذي بات لا يُبقي من الوطن شيئاً في اطار رؤية الشرق أوسط الجديد ومكانة أسرائيل فيه كما يُراد لها ان تكون وفق المخطط ، كدولة غير مارقة ، كما هي فعلاً وواقعاً ، بل كدولة طبيعية ومهيمنة تضمن تدرج تنفيذ المشروع الصهيوني العالمي .

شاهد أيضاً

اسعار الذهب اليوم الاربعاء

اسعار الذهب اليوم الاربعاء

شفا – جاءت اسعار الذهب اليوم الأربعاء 22 أكتوبر كالتالي :عيار 22 85.900عيار 21 82.000