
اِعْتِرَافَاتٌ عَلَى وِسَادَةِ النسيان ، بقلم : د. وليد العريض
(إِلَى فَطِيرَةَ حَيْثُ يَلْتَقِي الْوَطَنُ بِالْحَنِينِ وَتَسْتَرِيحُ الْأَرْوَاحُ مِنَ التِّيهِ)
لِمَنْ مَرُّوا خِلْسَةً فِي الْعُمُرِ وَتَرَكُوا فِي الْقَلْبِ ظِلًّا لَا يَغِيبُ
اِنْسَكَبَ الْحَنِينُ مِنْ بَيْنِ السُّطُورِ وَرَأَيْتُ نَفْسِي هُنَاكَ رَجُلًا يَكْتُبُ كَيْ لَا يَخْتَنِقَ
هُنَاكَ أَشْيَاءُ لَا تُقَالُ تَسْكُنُ بَيْنَ ضُلُوعِي تَتَحَرَّكُ كُلَّمَا لَامَسَهَا الضَّوْءُ وَتَصْمُتُ لِأَنَّ الْحُرُوفَ خَائِفَةٌ مِنْ وَجَعِهَا
الْحُبُّ يَا صَدِيقَتِي بَلَاءٌ جَمِيلٌ نَغْرَقُ فِيهِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ النَّجَاةَ مُسْتَحِيلَةٌ نَدْخُلُهُ بِأَرْوَاحٍ عَارِيَةٍ فَنُولَدُ مِنْ جَدِيدٍ لَكِنَّنَا نَكْبُرُ فَجْأَةً حِينَ نَفْقِدُهُ
كُنْتِ بَدَايَةَ الدَّهْشَةِ وَضَوْءَ الْفَجْرِ الَّذِي اقْتَرَبْتُ مِنْهُ حَتَّى احْتَرَقْتُ كُنْتِ حُلْمًا يَقِظًا وَصَوْتًا يَعْلُو فِي صَمْتِي وَحَقِيقَةً لَمْ أَعْرِفْ كَيْفَ أُصَدِّقُهَا
مَعَكِ تَوَقَّفَ الزَّمَانُ وَصَارَ الْمَكَانُ أَوْسَعَ مِنَ الْأَرْضِ وَأَضْيَقَ مِنْ صَدْرِي حِينَ تَغِيبِينَ
تَذَوَّقْتُ الْحُلْوَ فِي حُضُورِكِ ثُمَّ شَرِبْتُ الْمُرَّ فِي غِيَابِكِ وَتَعَلَّمْتُ أَنَّ الْحُبَّ لَا يَعْدِلُ بَيْنَنَا لَكِنَّهُ يُنْصِفُ الذَّاكِرَةَ
الْقِصَّةُ لَمْ تَكُنْ وِسَادَةً نَرْقُدُ عَلَيْهَا بَلْ قِطَارًا مَرَّ بِي أَخَذَ مِنِّي فَرَحًا وَتَرَكَ عَلَى الْمَقْعَدِ الْمُقَابِلِ بَقَايَا رَجُلٍ يَتَظَاهَرُ بِالنِّسْيَانِ
وَالْيَوْمَ أَجْلِسُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ أُحَادِثُ صَمْتِي هَيْهَاتَ يَا قَلْبِي أَتَذْكُرُ أَتَذْكُرُ أَوَّلَ الطَّرِيقِ حِينَ كَانَتْ نَظْرَتُهَا وَعْدًا وَصَوْتُهَا حَيَاةً؟
أَضْحَكُ ثُمَّ أَبْكِي فَمَا عَادَ فِي الْحِكَايَةِ سِوَى أَنَا وَرَائِحَةُ الْمَطَرِ وَشَيْءٌ مِنْ حُضُورِهَا فِي الْغِيَابِ
لَمْ أَعُدْ ذَاكَ الرَّجُلَ الَّذِي كُنْتُهُ يَوْمًا لَكِنَّنِي مَا زِلْتُ أَحْمِلُهَا فِي صَدْرِي كَآيَةٍ لَا تُتْلَى وَدُعَاءٍ لَمْ يُسْتَجَبْ
كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ النِّسْيَانَ دَوَاءٌ فَإِذَا بِهِ دَاءٌ مُقِيمٌ كُلُّ امْرَأَةٍ تَمُرُّ تُشْبِهُهَا فَأَتَلَعْثَمُ كَمَا الطِّفْلِ وَأَخَافُ أَنْ أَتَنَفَّسَ
لَمْ أَعُدْ أَبْحَثُ عَنْهَا لَكِنَّ قَلْبِي كُلَّ لَيْلَةٍ يَتَمَشَّى فِي طُرُقَاتِ الذَّاكِرَةِ يَبْحَثُ عَنْ ظِلٍّ عَنْ هَمْسَةٍ عَنْ دِفْءٍ كَانَ
أَنَا الرَّجُلُ الَّذِي أَحَبَّ حَتَّى احْتَرَقَ ثُمَّ بَقِيَ رَمَادُهُ يَنْتَظِرُ رِيحًا تُعِيدُهُ إِلَى الْحَيَاةِ
وَمَا زِلْتُ أُؤْمِنُ أَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهَا خَيْطًا مِنْ ضَوْءٍ يَخْتَبِئُ بَيْنَ الْحُلْمِ وَالْيَقَظَةِ وَفِي كُلِّ فَجْرٍ صَامِتٍ أَسْمَعُهَا تَهْمِسُ لِي مَا اِنْتَهَيْنَا فَقَطْ تَعِبْنَا مِنَ الْبِدَايَةِ.