4:06 مساءً / 8 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

دائرة حقوق الإنسان والمجتمع المدني في منظمة التحرير الفلسطينية تصدر تقريراً حول حالة حقوق الإنسان

شفا – أصدرت دائرة حقوق الإنسان والمجتمع المدني في منظمة التحرير الفلسطينية تقريراً حول حالة حقوق الإنسان
في الأراضي الفلسطينية المحتلة جاء فيه :

مقدمة تحليلية: عامان على حرب الإبادة والتدمير الممنهج

يمثل هذا التقرير توثيقاً شاملاً وفريداً لحالة حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية، القدس الشرقية، وقطاع غزة) خلال عامين شهدت فيهما فلسطين أسوأ موجة انتهاكات في تاريخها الحديث، ووصلت إلى مستويات تصنف دولياً ضمن جرائم الإبادة الجماعية الممنهجة، لا سيما في قطاع غزة. لقد مارست دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال هذه الفترة عمليات قتل ممنهجة، واستهدافاً مباشراً للمدنيين، وتهجيراً قسرياً للسكان، وتدميراً ممنهجاً للبنية التحتية الأساسية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمساجد، إضافةً إلى التجويع والحصار الكامل الذي أدى إلى كارثة إنسانية حادة.


تتسم سياسات الاحتلال بالاستراتيجية والانتظام، وهو ما يبرهن على طبيعتها الإجرامية والمنهجية، حيث تهدف إلى محو الوجود الفلسطيني وتغيير التركيبة الديمغرافية للأراضي المحتلة بالقوة، بما يشمل: التوسع الاستيطاني غير القانوني، مصادرة الأراضي، تهجير السكان بالقسر، واستهداف المؤسسات المدنية الأساسية، إضافة إلى عمليات القتل والاعتقال خارج نطاق القانون. ويأتي هذا الانتهاك الصارخ للقانون الدولي، متجاهلاً قرارات الأمم المتحدة الملزمة مثل القرارات 242، 338، 194، و2334، بالإضافة إلى الالتزامات الدولية لحماية المدنيين والنساء والأطفال بموجب القرار 1325، والقوانين الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقيات جنيف الرابعة.


إن هذه الجرائم لا يمكن اعتبارها أحداثاً فردية أو “نتائج ثانوية للنزاع”، بل هي جزء من مخطط ممنهج للإبادة الجماعية والتطهير العرقي، بما يتوافق مع التعريفات القانونية الدولية المعترف بها في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ويظهر ذلك من خلال استهداف المدنيين بشكل متعمد، وارتكاب أعمال وحشية ضد الأطفال والنساء، وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من منازلهم، وحصار قطاع غزة لفترات طويلة، مع الحرمان من الغذاء والمياه والأدوية والخدمات الأساسية، ما يشكل جريمة ضد الإنسانية تتطلب استجابة دولية عاجلة.

ويهدف هذا التقرير إلى:

  1. توثيق الانتهاكات الإسرائيلية بشكل مفصل ودقيق على الأرض، بما في ذلك الجرائم المرتكبة منذ بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، وارتباطها بسياسات الاحتلال الاستعمارية.
  2. تقييم الانتهاكات في ضوء القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وتحديد مسؤوليات القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي والمحاكم الجنائية الدولية.
  3. تقديم توصيات عاجلة للمجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية الدولية، لضمان المساءلة القانونية، وحماية المدنيين الفلسطينيين، وإلزام إسرائيل بالوقف الفوري للانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها.
    إن التقرير يؤكد أن استمرار الصمت الدولي أو التساهل مع دولة الاحتلال يشكل عامل تمكين مباشر لجرائم إضافية، ويعكس ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة وفعّالة على المستوى القانوني والسياسي لمنع تكرار هذه الجرائم، وحماية الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حق الحياة وحق تقرير المصير وحق العودة، في إطار الالتزام بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

الفصل الأول: قطاع غزة – حرب الإبادة الجماعية والكارثة الإنسانية الشاملة

شكل قطاع غزة مسرحاً لجريمة إبادة جماعية متكاملة الأركان، استهدفت الوجود الفلسطيني على الصُعد البشرية، البنيوية، الثقافية، والبيئية، وتطلبت تدخلاً فورياً بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.

  1. الخسائر البشرية والدمار الشامل (انتهاك مباشر لاتفاقيات جنيف)
  • الخسائر البشرية المُحدَّثة: ارتفعت الحصيلة الإجمالية للعدوان الإسرائيلي إلى 67,160 شهيداً وأكثر من 169,679 إصابة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى أيلول/سبتمبر 2025. غالبيتهم العظمى من الأطفال والنساء (بما يشكل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن 1325 المتعلق بالمرأة والسلام والأمن).
  • شهداء المساعدات (لقمة العيش): وصل إجمالي شهداء لقمة العيش الذين وصلوا إلى المستشفيات إلى 2,610 شهداء وأكثر من 19,143 إصابة نتيجة الاستهداف المتعمد لتجمعات المنتظرين للمساعدات.
  • تدمير البنية التحتية: تم تدمير أو تضرر أكثر من 70% من البنية التحتية المدنية بشكل ممنهج، بما في ذلك المستشفيات، المدارس، والمنازل، ما يرقى إلى جرائم حرب بموجب القانون الدولي الإنساني.
  • الأسلحة المحرمة: استخدام موثق لأسلحة محرّمة دوليًا، منها الفسفور الأبيض والقنابل الارتجاجية الموجهة ضد مناطق سكنية.
  1. استهداف المنظومة الصحية والإنسانية
  • المنظومة الطبية: قصف وتدمير 36 مستشفى و118 مركزًا صحيًا، وتدمير شبه كامل للقطاع الطبي.
  • استهداف الكوادر الإنسانية: توثيق أكثر من 380 حالة إعدام ميداني لأطباء ومسعفين أثناء أداء مهامهم الإنسانية، واستهداف طواقم الأونروا، ما أدى إلى مجاعة جماعية خاصة في شمال القطاع.
  1. الجرائم الرقمية والإبادة البيئية
  • الجرائم الرقمية: استهداف متعمد للبنية التحتية الرقمية وحجب الإنترنت والاتصالات، وتوثيق أكثر من 300 حملة رقمية ممنهجة لتزييف الرواية الفلسطينية وإخفاء الحقائق.
  • الإبادة البيئية: أدت الهجمات إلى تسرب كميات ضخمة من الوقود والمواد السامة إلى البحر والتربة، ما يشكل جريمة تدمير بيئي تزيد من معاناة المدنيين.

الفصل الثاني: الضفة الغربية – تصعيد الجرائم والانتهاكات في ظل القرار 2334

شهدت الضفة الغربية تصعيداً غير مسبوق في سياسات القتل والاعتقال والتوسع الاستيطاني، في تجاهل تام لقرار مجلس الأمن 2334 (2016) الذي أكد عدم شرعية المستوطنات، والقرارات الداعية لإنهاء الاحتلال 242 و338.

  1. القتل الميداني والاعتقالات الجماعية
  • القتل الميداني: استشهاد أكثر من 1,100 مواطن، بينهم عشرات الأطفال. تم تسجيل 450 عملية اغتيال ميداني عبر طائرات مسيّرة واقتحامات ليلية، ما يؤكد سياسة القتل خارج نطاق القانون.
  • الاعتقالات والتعذيب: تجاوز عدد حالات الاعتقال الإجمالي في الضفة 14,000 حالة اعتقال (ضمن الـ 20 ألف حالة المذكورة أعلاه)، ترافق مع تعذيب ممنهج وحرمان المعتقلين من العلاج.
  1. الاستيطان والتهجير القسري (تحدي للقرار 2334)
  • الاستيطان غير الشرعي: إنشاء أكثر من 25 بؤرة استيطانية جديدة وتوسيع المستوطنات القائمة، في انتهاك مباشر للقرار 2334.
  • التهجير القسري: هدم قرى فلسطينية بالكامل في الأغوار ومناطق (ج)، بدعم عسكري مباشر للعنف المسلح الذي يمارسه المستوطنون، ما يندرج ضمن سياسة التطهير العرقي.

الفصل الثالث: القدس الشرقية – استهداف الهوية ومكانة المدينة المقدسة

تواصل سلطات الاحتلال في القدس الشرقية سياستها الهادفة إلى تغيير التركيبة الديمغرافية والقانونية للمدينة، في انتهاك لقرارات الأمم المتحدة التي تعتبرها جزءاً من الأراضي المحتلة، وتهدد مكانتها التي يحميها القرار 194 بشأن اللاجئين.

  1. التهجير الممنهج وسحب الهوية
  • هدم المنازل: تنفيذ أكثر من 320 عملية هدم في أحياء الشيخ جراح وسلوان وغيرها، بهدف التطهير العرقي.
  • سحب الهويات: ازدادت وتيرة سحب الهويات من المقدسيين، ما يهدد بتهجيرهم القسري ويشكل انتهاكاً لحقوقهم الأساسية.
  1. الاعتداءات على الأماكن المقدسة
  • المسجد الأقصى: تصاعد الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى ومحاولات فرض التقسيم الزماني والمكاني، ومنع آلاف الفلسطينيين من الدخول، ما يمثل اعتداءً على حرية العبادة.
  • استهداف الكنائس: هجمات متكررة من قبل المستوطنين على الكنائس والمؤسسات الدينية.

الفصل الرابع: الإبادة الممتدة داخل السجون – واقع الأسرى والمعتقلين

شكلت السجون والمعتقلات الإسرائيلية مسرحاً لإبادة ممتدة ومتصاعدة بحق الأسرى والمعتقلين، حيث يواجهون ذروة عمليات المحو الاستعماري عبر القتل والإعدام الممنهج.

  1. حصيلة الشهداء الأسرى وجرائم القتل (أكثر الأزمنة دموية)
  • شهداء التعذيب والتجويع: بلغت حصيلة الشهداء الأسرى المعلن عنهم 77 شهيداً على الأقل منذ بدء حرب الإبادة، استُشهدوا نتيجة التعذيب، التجويع الممنهج، والحرمان من العلاج.
  • الإخفاء القسري: يظل العشرات من معتقلي غزة الشهداء رهن الإخفاء القسري، ما يشكل جريمة إخفاء قسري مستمرة.
  • احتجاز الجثامين: تحتجز سلطات الاحتلال جثامين 85 أسيراً شهيداً، منهم 74 منذ بدء حرب الإبادة.
  1. سياسات التعذيب والإذلال الممنهج
  • أنماط التعذيب: توثيق أشكال متطرفة من التعذيب الجسدي والنفسي، تشمل التجويع الممنهج، الجرائم الطبية والحرمان من العلاج، الاعتداءات الجنسية التي وصلت إلى حد الاغتصاب، والعزل الجماعي.
  • معتقلو غزة (المقاتلون غير الشرعيين): كشفت شهادات المفرج عنهم عن نمط غير مسبوق من التعذيب في معسكرات الاعتقال، أبرزها معسكر “سديه تيمان”، حيث يُصنّف المعتقلون بـ “مقاتلين غير شرعيين” لتشريع الجرائم ضدهم.
  1. إحصائيات الاعتقالات والأسرى في تشرين الأول/أكتوبر 2025
  • حصيلة تاريخية (الضفة والقدس): سُجل نحو 20 ألف حالة اعتقال في الضفة الغربية والقدس منذ بدء الإبادة، بينهم نحو 1600 طفل ونحو 595 من النساء.
  • الإجمالي العام للسجون: ارتفاع إجمالي عدد الأسرى والمعتقلين إلى أكثر من 11,100 أسير ومعتقل.
  • المعتقلون الإداريون: بلغ عددهم 3,544 معتقلاً إدارياً دون تهمة، وهي النسبة الأعلى بين فئات الأسرى.
  • الأطفال والنساء: أكثر من 400 طفل أسير، و53 أسيرة.
  • الصحفيون والكوادر الطبية: اعتقال 202 صحفي، واستشهاد ثلاثة أطباء على الأقل نتيجة التعذيب.

الفصل الخامس: التوصيات والخلاصات القانونية والسياسية

بناءً على التوثيق المفصّل للجرائم، يوصي تقرير دولة فلسطين بما يلي:

  1. تفعيل المسؤولية الدولية بشأن الإبادة الجماعية:
  • الاعتراف بالإبادة: دعوة فورية للمجتمع الدولي إلى الاعتراف بأن ما يجري في قطاع غزة إبادة جماعية متكاملة الأركان، وتفعيل المسؤولية القانونية للدول الأطراف في اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948 للتدخل الفوري ووقف العدوان.
  1. المحاسبة وتطبيق قرارات مجلس الأمن:
  • المحكمة الجنائية الدولية: مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بـتسريع إجراءاتها في الملفات الفلسطينية وفتح تحقيقات علنية ضد قادة الاحتلال.
  • العقوبات الدولية: دعوة مجلس الأمن لفرض عقوبات فورية على إسرائيل لعدم التزامها بالقرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 2334 بوقف الاستيطان، والقرارين 242 و338 لإنهاء الاحتلال.
  • حماية المدنيين: تفعيل وتطبيق قرار مجلس الأمن 1325 الخاص بحماية النساء والأطفال في مناطق النزاع.
  1. إنهاء الإفلات من العقاب:
  • الولاية القضائية العالمية: تفعيل الملاحقة القانونية عبر الولاية القضائية العالمية في الدول الأعضاء في اتفاقيات جنيف، لمحاكمة المتورطين في التعذيب والقتل الممنهج بحق الأسرى والمدنيين.
  • قضية اللاجئين (194): تذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه تنفيذ القرار 194 الخاص بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، والذي يتجاهله الاحتلال بتوسيع التهجير القسري.

خاتمة:
إن استمرار الصمت الدولي إزاء حرب الإبادة الممتدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو مساس بالإنسانية جمعاء. ندعو المجتمع الدولي إلى خلع ثوب العجز والتواطؤ والتحرك الفوري لوقف هذه الجرائم، وضمان حق شعبنا في الحرية وتقرير المصير.

شاهد أيضاً

تراثٌ يقاوم النسيان ، التراث الفلسطيني في مواجهة التغريب ، التزييف والإبادة الثقافية ، بقلم : د. منى أبو حمدية

تراثٌ يقاوم النسيان ، التراث الفلسطيني في مواجهة التغريب ، التزييف والإبادة الثقافية ، بقلم : د. منى أبو حمدية

تراثٌ يقاوم النسيان ، التراث الفلسطيني في مواجهة التغريب ، التزييف والإبادة الثقافية ، بقلم …